{إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} يمتحن الله بها عباده ،ليختبر كيف يتصرفون في أموالهم وأولادهم في مواقع طاعته ،وكيف يواجهون الحالة النفسية المنجذبة إلى المال ،في ما يمثله من الامتيازات التي يحقق بها الإنسان مطامحه ومطامعه ،والذي يروي به شهواته وملذاته ،ويكسب به الجاه العظيم والمنزلة الرفيعة لدى الناس الذين يعيشون المال كقيمةٍ ماديةٍ كبيرة في الحياة ،ما يجعل الإنسان يحافظ عليه ،فلا ينفقه في ما أمر الله به من موارد الإنفاق ،أو يأخذه من غير حله ،فلا يهمه أن يكون مصدره حراماً أو حلالاً ،الأمر الذي يمثل لديه الموقف الصعب في الالتزام بالخط الشرعي في موارده ومصادره .وهكذا يختبر الله الإنسان في أولاده الذين هم زينة الحياة الدنيا ،في الفرح العاطفي الذي يمتلىء به قلبه وتهتز به مشاعره عندما ينطلق إليهم في استغراقه الروحي العاطفي ،وفي الشعور العميق بأنهم يمثلون امتداداً لحياته عندما تنقطع به الحياة ،فيخيل إليه أنه موجود بوجودهم ،فيدفعه ذلك إلى أن يعصي الله في رضاهم ،وأن يقوم ببعض الأعمال التي تحقق لهم بعض المنافع والمطامع على حساب تكليفه الشرعي .وربما يسيء تربيتهم خوفاً من مشاعرهم الرافضة للخط المستقيم ،فيخون أمانة الله في ذلك ،في ما أراده الله منه ،في توجيههم نحو الخلق السليم والدين القويم والطريقة المستقيمة في الحياة .وليس ذلك إلا من خلال انجذابه الروحي إليهم ،واندفاعه العاطفي نحوهم ،حتى ليبذل حياته في سبيل حياتهم ،فيغفل عن واجباته ،وينسى موقفه من ربه ومقام ربه منه .
ومن هنا ،كان التأكيد على عنصر الفتنة في الأموال والأولاد ،ليتعامل الإنسان في ذلك كما يتعامل مع كل فتنةٍ تفتنه عن الله وعن مسؤولياته في الحياة ،ليؤكد وعيه المنفتح على الله ،وعقله المنطلق مع العمق العميق من مصلحته الحقيقية في حسابات الدنيا والآخرة ،وليوازن بين المصلحة الفانية التي قد تخفي في داخلها الكثير من الآلام والمفاسد في ما يأخذ به من شهوات الدنيا التي يحبها ويرغبها ،وبين المصلحة الباقية في ما يقبل عليه من رضوان الله ورحمته في الآخرة ،إذا أخذ بأسباب الرضوان والرحمة في عمله ،فتعامل مع ماله وولده بما يرضي الله ،وابتعد عما يسخطه ،متحملاً في ذلك بعض التضحيات الذاتية ،وبعض الالام العاطفية ،لتتحول أمواله في الدنيا إلى حسناتٍ في الآخرة ،فيبقى له منها ما يكون ذخراً له عند الله ،وليكون أولاده من أولياء الله الذين يبقى له أجرهم في الآخرة ليعيشوا معه في جنة الله ،لأن الله يجمع الصالحين مع ذرياتهم يوم القيامة في دار النعيم .وهكذا يتحرك الإنسان المؤمن في كل ما يملكه من حطام الدنيا ،وفي ما يأخذ به من زينتها ،لينظر إليه في مواقع المسؤولية التي تقربه من الطاعة ،وتبعده عن المعصية ،وليطلب به الأجر العظيم عند الله ،{وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} في ما وعد به عباده من الثواب على طاعته .