{رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ} ولعلّ إطلاق الذكر على الرسول باعتبار أنه يجسّد القرآن الذي يشتمل على الذكر الإلهي ،فيكون باعثاً على التذكر في ما يتلوه من آيات الله المبيّنات .أمَّا كيف نتصور إنزال الرسول فقد فسّره البعض بالإنزال من عالم الغيب ،أي بعثه منه ،وإظهاره لهم رسولاً من عنده بعدما لم يكونوا يحتسبون ،وقد فسّره صاحب الكشاف بجبريل[ 3] باعتبار إنزاله من السماء ،ويكون حينئذٍ معنى تلاوته الآيات عليهم تلاوته على النبي( ص ) بما أنه متبوعٌ لقومه ووسيلة الإبلاغ لهم ،لكن ظاهر قوله تعالى «يتلو عليكم ...إلخ » خلاف ذلك .
ويحتمل أن يكون «رسولاً » منصوباً بفعلٍ محذوف ،والتقدير أرسل رسولاً يتلو عليكم آيات الله ،ويكون المراد بالذكر القرآن أو ما بيّن فيه من الأحكام والمعارف .وقد يكون الأقرب أن يكون رسولاً بدلاً قريباً من أجواء بدل الاشتمال باعتبار أن إنزال الذكر يختزن في داخله وجود رسول يبلغه ويتلوه بعد أن كان الإنزال بشكل غير مباشر ،والله العالم .
{لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} من خلال انفتاحهم على إشراقة الوحي في فكره وروحه وشريعته التي تمثل النور الذي يضيء للمؤمنين طريقهم إلى الله ،وإلى الحياة المتطلعة إليه وإلى رضوانه .
{وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} ،لأن ذلك هو مظهر القرب إليه ،في ما يريد أن يقرب عباده إلى مواقع سعادتهم في الآخرة في دار النعيم ،{قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً} في ما وعدهم به من الرزق الحسن الذي لا حدود له ،فقد جعل لهم ما تشتهي أنفسهم ،كما جعل لهم ما يدّعون{نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [ فصلت:32] ،في ما يغفره من خطاياهم وفي ما يرحمهم في مواقع حاجتهم إليه ،ولا شيء في وجودهم إلاَّ وهو محتاجٌ إليه .