وتمثّلت لهما الجريمة في مستوى الكارثة ؛كيف نسيا تحذير الله لهما ،كيف أقبلا على ممارسة الرغبة المحرَّمة وغفلا عن عداوة الشيطان لهما ،وكيف خالفا أمر الله الذي خلقهما وأنعم عليهما ؟؟وبدآ يعيشان الندم كأعمق ما يكون ،في إحساسٍ بالحسرة والمرارة والذعر ...ولكنهما لم يستسلما لهذه المشاعر السلبية طويلاً ،ولم يسقطا في وهدة اليأس ،فلهما من الله أكثر من أملٍ ،لأنه الرب الكريم الذي لا يتعاظمه غفران الذنب العظيم .فرجعا إليه ،وعادا إلى كنف رحمته يتطلعان إلى مغفرته ورضوانه ،في موقف الاعتراف الخاشع .{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} بما أخطأنا وما خالفنا ،لأننا لم نتصور أن هناك مخلوقاً يغش ويخدع ،أو يكذب ويخون ...فنحن لم نخض تجربةً مماثلة سابقة في حياتنا ،أو في حياة مخلوقاتٍ أخرى ،فاستسلمنا للخداع بطيبة قلبٍ ،وغفلنا عن كل النتائج السلبية من جرّاء ذلك ،وربما خيّل لنا أن مثل هذه الأفكار التي أثارها في أنفسنا قد تصلح مبرراً لتجاوز النّهي ،لأننا لم نتعمق في معرفة مسؤولية الإنسان أمام الأمر والنهي بشكل دقيق .وها نحن أمامك نفتح لك قلوبنا وأفكارنا وحياتنا كلها لتكون بين يديك ،في ما نستقبل من قضايا وأوضاع ،وما تريده أو لا تريده منا .فأمُرْنا أو انهنا نطعك في ذلك كله ..
وتلك هي روحيّة الإنسان المؤمن في حالة الاعتراف النادم بالذنب أمام الله ،من أجل مواجهة الموقف بالتوبة للحصول على المغفرة والرحمة .فاغفر لنا بمغفرتك ،وارحمنا برحمتك ،{وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الذين خسروا أنفسهم بفقدانهم لرحمة الله ومغفرته ورضوانه ...وهذا ما لا تقوم له السموات والأرض ،فكيف بالإنسان الضعيف الذليل الفقير المسكين المستكين ...وغفر الله لهما وتاب عليهما ،ولكنه أمرهما بالخروج من الجنة ،كما أمر إبليس بالخروج منها ،لأنهما عصياه كما عصاه ،وإن كان الفرق بينهما أنه ظل مصرّاً على المعصية ولم يتب فلم يغفر له الله ،بينما وقف آدم وزوجته في موقف التوبة فغفر لهما .