/م19
{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} هذا بيان مستأنف لما كان من أمرهما بعد أن تذكرا نهي الرب لهما عن الأكل من الشجرة لما فيه من ظلمهما لأنفسهما به وهو أنهما قالا:يا ربنا إننا ظلمنا أنفسنا بطاعتنا للشيطان وعصياننا لك كما أنذرتنا ، وقد عرفنا ضعفنا وعجزنا عن التزام عزائم الطاعات وإن لم تغفر لنا ما نظلم به أنفسنا ، وترحمنا بهدايتك لنا وتوفيقك إيانا إلى ترك الظلم ، والاعتصام من الجهل والجهالة بالعلم والحلم ، بقبولنا إذا نحن تبنا إليك وبإعطائك إيانا من فضلك فوق ما نستحق بعدلك ، فوحقك لنكونن إذا من الخاسرين لأنفسنا وللسعادة والفلاح بتزكيتها ، وإنما ينال الفوز والفلاح بمغفرتك ورحمتك من يتوب إليك ويتبع سبيلك دون من يصر على ذنبه ويحتج على ربه كالشيطان الرجيم ، الذي أبى واستكبر واحتج لنفسه على المعصية وأصر .
هذا ما يدل عليه المقام وتقتضيه الحال من معنى كلمات آدم التي تلقاها من ربه وهي التي أشير إليها في سورة البقرة:{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} ( البقرة 37 ) قالها خاشعا متضرعا وتبعته زوجه بها ، فحذفهما لمفعول"تغفر "إذ لم يقولا وإن لم تغفر لنا ذنبنا هذا أو ظلمنا يدل على أنهما قد علقا النجاة من الخسران على المغفرة العامة المطلقة التي تشمل هذا الذنب وغيره ، من كل ذنب يتوب الإنسان عنه ويرجع إلى ربه وهو الذي يقتضيه مقام بيان حال الفطرة البشرية المبين في آيات أخرى كآية الأحزاب في حمل الإنسان للأمانة وكونه كان بذلك ظلوما جهولا ، وآية المعارج{ إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ، إلا المصلين} ( المعارج 19 -22 ) إلخ ويؤيده أن هذا الذنب بعينه قد عوقبا عليه بالإخراج من الجنة وبالتشهير الدائم بإعلامه تعالى ذريتهما به ، وهاك ما أجابهما الرب تعالى به ، إذ المقام مقام السؤال عنه:{ قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} .
/خ25