وتتضح الصورة أكثر ،وتتصاعد خطورة الموقف ،وتتجمد المشاعر ،فلا ينبض فيها أيُّ إحساسٍ بالعلاقة الإنسانية التي تشد الناس إلى أقربائهم وإلى أزواجهم وإلى الناس كلهم ،بل يتحوّل الوجدان من الحالة الإيجابية المشدودة إلى القريب أو الزوج أو الصاحب ،إلى حالةٍ سلبيةٍ رافضةٍ قد تشبه الحالة العدوانية عندما يضحي الإنسان بكل هؤلاء ،ليفتدي بهم نفسه في مواجهة اللهيب الذي يتصاعد من النار التي تريد أن تأكل كل شيء .
{يُبَصَّرُونَهُمْ} بتشديد الصاد وفتحها ،مِنْ بصَّرته الشيء إذا أوضحته له ،أي يعرف كل واحد من هؤلاء الأصدقاء الحميمين صاحبه ،فيعرض عنه ،لا من موقع الجهل والنسيان ،بل من موقع الرعب والذهول والاستغراق في الخوف على الذات في ما يترقبه من المصير الأسود في عذاب جهنم .
{يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} الذين كان يبذل النفس والنفيس في سبيل سلامتهم وراحتهم ،فيجوع ليشبعوا ،ويتعب ليرتاحوا ،ويظمأ ليرتووا ،ويخاف ليأمنوا .وهكذا كان يشقى ليسعدوا ،ولكنه الآن يسقط أمام الشعور المجنون بالخوف ،ليفكر بأن يقدِّمهم ضحيةً للنار ،أو ليكونوا فداءً عنه ،