{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} الظاهر أنه يوم القيامة الذي يقع فيه هذا العذاب ،ويتمثل فيه المشهد العظيم في عروج الملائكة إلى الله ،وهم الموكلون بالعذاب ،ليتلقوا أوامره التي ينفذونها في كل الشؤون المتعلقة بالكون في حركة القيامة ،كما كانوا ينفذونها قبل ذلك ،لأنهم{عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ*لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} . [ الأنبياء:2627]
كما يصعد إليه في هذا اليوم الروح وهو الخلق الغيبي العظيم الذي حدثنا الله عنه في القرآن في أكثر من آية كما لو كان خلقاً متميزاً عن الملائكة ،في ما يعهد الله إليه من النزول بأمره إلى الناس ،مما لا نملك تصوّراً دقيقاً عنه في كيفية تلقّيه الأوامر من الله ،وفي تبليغها للأنبياء ،وفي تنفيذ ما يمكن أن يكون قد عُهد إليه بتنفيذه ،وقيل: إنه جبريل الذي كان ينزل بالوحي على الأنبياء( ع ) .
ثم ما هو تحديد هذه الخمسين ألف سنة ،هل هو تحديد دقيق في الحدود الزمنية التي تخضع لها السنة ،كما يعرفها الناس في الأرض ،ليكون ذلك مقدّراً بالنسبة الموجودة في وعيهم الزمني ،لأن اليوم الأرضي يمثل الحركة الزمنية الحاصلة من دورة الأرض حول نفسها في أربع وعشرين ساعة ،بينما نعلم أن هناك نجوماً تدور حول نفسها بالمقدار الذي يعادل يومنا آلاف المرات ،ويمكن أن يكون ذلك التعبير وارداً مورد الكناية عن طول هذا اليوم العظيم ،في ما اعتاده الناس من التعبير بهذه الطريقة عن ذلك ،وقد يكون الحديث عن ذلك تعبيراً عن الجهد الذي يلاقيه الإنسان في الحساب ،عندما يكون في خط الانحراف ،بحيث يكون في مستوى هذا الرقم الكبير في إحساسه بالطول .
وقد ورد عن النبي محمد( ص ) في ما رواه في الدر المنثور عن عدّةٍ من الجوامع عن أبي سعيد الخدري قال: «سئل رسول الله( صلى الله عليه وسلّم ) عن:{يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}: ما أطول هذا اليوم فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفَّف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا » .
وجاء في حديث الإمام جعفر الصادق( ع ): «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ،ولا يكون له رجاء إلا من عند الله غير ذكره ،فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأله شيئاً إلا أعطاه .ٌفحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها ،فإن للقيامة خمسين موقفاً كل موقف مقداره ألف سنة ثم تلا:{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} » [ السجدة:5] .