{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ} بدعوتهم للسير في خط الهدى بالتزام الإيمان بالله{جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} خوفاً من أن تنفذ كلمات الرسالة إلى أسماعهم ،فتمتد في عقولهم ،وتأخذ عليهم قناعاتهم ،فيتصورونها كما لو كانت مطارق صاخبة تثير الضجيج الشديد في آذانهم ،فيغلقون آذانهم عنها{وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ} فغطوا وجوههم بثيابهم ليتفادوا رؤية الرسول الذي يجسّد لهم الخطر القادم من الرسالة ضد الواقع الذي يحرسونه بكل وجودهم ،{وَأَصَرُّواْ} على الكفر والضلال ،{وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً} في ما توحيه إليهم أوضاعهم المالية والاجتماعية من الكبرياء التي تجعلهم يستعلون على مَنْ حولهم من الناس الضعفاء الذين لا يملكون مالاً ولا موقعاً اجتماعياً متقدماً بين الناس ،فيقودهم الاستكبار إلى رفض الأفكار الرسالية التي توحّد بين الناس وتساوي بينهم في إنسانيتهم ،وتلغي الفروق الطبقية فيما بينهم ،لا سيّما إذا كان الذين يحملون هذه الرسالة من المستضعفين الذين هم أدنى الناس في الطبقة الاجتماعية ،أو كان رسولهم من بين هذه الجماعة .وهكذا نرى أن القرآن يتحدث عن الكافرين في كفرهم ليوحي بأن الاستكبار لمِا يمثّل من عقدةٍ ذاتيةٍ لدى المستكبرين هو المسؤول في كثيرٍ من الحالات عن كفر الكافرين ،لأن الحالة النفسية قد تترك تأثيراتها الضاغطة على واقع الناس الفكري والعملي ،باعتبار أنّ الإنسان يخضع في نشاطاته الداخلية والخارجية للعوامل النفسية المعقّدة .