{لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاتِ رَبِّهِمْ} في ما تثيره كلمة العلم من ظهور ذلك ،باعتباره سبباً من أسباب العلم العادي للأشياء ،لا بمعنى توقف علم الله على ذلك{وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} في ما يملكونه في داخلهم وفي خارج حياتهم ،مما يتصل بهم أو يحيط بأوضاعهم المتصلة بحركتهم في حركة الرسالة{وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} في ما يحصيه الله من أعمال رسله بكل مفرداتها الجزئية والكلية ،وبكل الحالات النفسية التي يعيشها هؤلاء الرسل ،وبكل المواقف الجادّة في ساحة الدعوة أو في ساحة الجهاد .
وهكذا نرى أن الله يرعى رسوله ويراقبه ويحيط بما لديه ،ويحصي كل شيء عليه ،في ما يوحي به ذلك من معنى المسؤولية في كل حياة الرسول المتصلة برسالته في مواقفه الرسالية ،وفي نوازعه الذاتية ،لنستوحي منها الرقابة الدائمة على الدعاة إلى الله ،التابعين للرسول في خط الدعوة ،والسائرين على خطه في خط الجهاد في سبيل الله .
وقد فسر بعض المفسرين الآية بمعنى آخر ،فقد جاء في مجمع البيان أن «الرصد الطريق ،أي يجعل له إلى علم ما كان قبله من الأنبياء والسلف وعلم ما يكون بعده طريقاً »[ 1] .وما ذكرناه أقرب إلى الجو العام للسياق في السورة والله العالم .
وقد ذُكر في تفسير قوله تعالى:{وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} أن المراد به لا يختص بما يتعلق بالرسول ،بل يشمل كل شيء ،فالله قد «أحصى ما خلق وعرف عدد ما خلق ،لم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذر والخردل »[ 2] ،وهذا ما رووه عن ابن عباس ،وقيل: «عدّ جميع المعلومات المعدومة والموجودة عدّاً ،فعلم صغيرها وكبيرها ،وقليلها وكثيرها ،وما يكون وما لا يكون ،وما كان وما لم يكن ،وغير ذلك من الوجوه التي قد تكون مقصودة ،وقد يكون المقصود جميع الأشياء بحيث يشمل الوجوه كلها .