مناسبة النزول
جاء في الدر المنثور للسيوطي: «أخرج الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ،ومسلم ،والترمذي ،والنسائي ،وابن جرير ،وابن المنذر ،وابن أبي حاتم ،وابن الأنباري في المصاحف ،والطبراني ،وابن مردويه ،وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل ،عن ابن عباس قال: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) يعالج من التنزيل شدّةً ،وكان يحرّك به لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه يريد أن يحفظه ،فأنزل الله:{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ*إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال: إن علينا أن نجمعه في صدرك ثم تقرأه ،{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يقول: إذا أنزلناه عليك ،{فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فاستمع له وأنصت ،{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} نبيّنه بلسانك ،وفي لفظ: علينا أن نقرأه ،فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق ،وفي لفظ: استمع فإذا ذهب قرأ كما وعده الله عزّ وجّل »[ 1] .
قد تكون هذه الرواية صحيحةً وقد لا تكون ،وربما كانت اجتهاداً شخصياً في التفسير ،مما لا يجعلها حجّة في فهم معنى الآية ؛لذا لا بدَّ من دراسة أجواء هذه الآيات وكلماتها ،وفي هذا المجال ،نلاحظ أن هذه الآيات لا تتّفق في مضمونها مع ما يحيط بها أوّلاً أو آخراً من الآيات المتصلة بالقيامة في تفصيلات أحداثها ،أو الأحداث السابقة عليها ،أو الأفكار المتعلقة بها ،فهي واردةٌ مورد الجمل المعترضة التي قد تكون لها بعض المناسبة ،وليس المناسبة كلها .
ولعلّ الجوّ الذي يسود هذه الآيات قريبٌ من الحالة النفسية التي كان يعيشها النبي محمد( ص ) عند نزول الآيات السابقة ،بحيث إنه كان يتابع كلمات القرآن عند تلاوة جبريل لها ،فيردّدها معه ويلاحقه في الترديد حذراً من أن تفوته كلمةٌ أو ينساها ،لأنّ مسؤوليته هي الوعي الكامل للقرآن ليبلّغه للناس بكل دقةٍ .
وقد تكون المسألة بطريقة الكناية ،بعيداً عن أيّة حالةٍ طارئة للنبي محمد( ص ) آنذاك ،فتكون تأكيداً على كفالة الله للقرآن ،بحيث لا يحتاج إلى السرعة في ملاحقة الرسول الملائكي بالتلاوة وبالاستعجال بها عند سماعه ،ولعل هذا أقرب إلى الذهن ،والله العالم .
{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} في متابعةٍ سريعةٍ للتلاوة ،لأن الله قد تكفّل بجمعه وتسهيل قراءته بكل دقة ،وتكفَّل بحفظه من التحريف بالزيادة أو النقصان ،