{وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} فحاول أن يقدّم أعذاره التي تخفي طبيعة السوء في عمله ،وحركة الجريمة في حياته ،لأنه يعرف نفسه بنور بصيرته كيف كان عمله ،وكيف كانت حركته ،ولهذا فلا يقبل منه أيّ عذر ،لأنه لا يمثل الحقيقة الصارخة في واقعه العملي .
وقد جاء في الكافي ،بإسناده عن عمر بن يزيد قال: إني لأتعشى مع أبي عبد الله «جعفر الصادق »( ع ) ،إذ تلا هذه الآية{بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ *وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ثم قال: يا أبا حفص ،ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس بخلاف ما يعلم الله منه ؟إن رسول الله( ص ) كان يقول: من أسرَّ سريرةً ألبسه الله رداءها إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرٌّ »[ 4] .
وجاء في مجمع البيان نقلاً عن تفسير العياشي ،«بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله «جعفر الصادق »( ع ) قال: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسناً ويُسِرّ سيّئاً ،أليس إذا رجع إلى نفسه ،فيعلم أن ذلك ليس كذلك ،واللهسبحانهيقول:{بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} إن السريرة إذا صلحت قويت العلانية »[ 5] .
وهذا ما ينبغي لنا أن نستوحيه في مجال التربية الإنسانية الإسلامية ،وذلك من أجل بناء شخصية الإنسان على أساس أن يكون ظاهره موافقاً لباطنه ،لتتّحد عنده عناصر الشخصية الداخلية والخارجية ،ويكون إيمانه بنفسه منطلقاً من وضوح الرؤية لديه في دوافعه وخفاياه ومواقع حركته في أجواء الآخرين ،وعليه أن يصارح نفسه بسلبياته ،كما يصارحها بإيجابياته ،وأن تكون له شجاعة الاعتراف بالخطأ أمام الناس ،فلا يعمل على أن يعطيها صورة الصواب ليدفعه ذلك إلى تغييره عندما يرى تأثيره على حياته وعلى نظرة الناس إليه ،بينما يكون الإِصرار عليه ومحاولة الدفاع عنه موجباً للاستغراق فيه والثبات عليه ،ما يجعله مشوّه الشخصية يعيش الازدواجية بين ما يعيشه في الداخل ،وبين ما يتحرك فيه في الخارج .