وقوله:( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) اختلف أهل الرواية في معنى ذلك، فقال بعضهم:معناه:بل للإنسان على نفسه شهود من نفسه، ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآثم، وركب من المعاصي، وجادل بالباطل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) يعني الاعتذار، ألم تسمع أنه قال:لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْوقال الله:وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ،مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ(13) . وقولهم:وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا أبو أحمد، قال:ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، في قولة:( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) قال:شاهد على نفسه ولو اعتذر.
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) ولو جادل عنها، فهو بصيرة عليها.
حدثني يعقوب، قال:ثنا ابن علية، عن عمران بن حدير، قال:سألت عكرِمة، عن قوله:( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) قال:فسكت، فقلت له:إن الحسن يقول:ابن آدم عملك أولى بك، قال:صدق.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله:( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) قال:معاذيرهم التي يعتذرون بها يوم القيامة فلا ينتفعون بها، قال:وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم ويعتذرون بالكذب.
وقال آخرون:بل معنى ذلك:بل للإنسان على نفسه من نفسه بصيرة ولو تجرّد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني نصر بن عليّ الجهضمي، قال:ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس، في قوله:( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) قال:لو تجرّد.
وقال آخرون:بل معنى ذلك:ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال:ثنا رَوّاد، عن أبي حمزة، عن السديّ في قوله:( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) ولو أرخى الستور، وأغلق الأبواب.
وقال آخرون:بل معنى ذلك:( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) لم تقبل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا نصر بن عليّ، قال:ثني أ بي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن الحسن:( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) لم تُقبل معاذيره.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) قال:ولو اعتذر.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال:معناه:ولو اعتذر لأن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنـزيل، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهدًا من نفسه بقوله:( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك، ولو جادل عنها بالباطل، واعتذر بغير الحقّ، فشهادة نفسه عليه به أحقّ وأولى من اعتذاره بالباطل.
----------------
الهوامش:
(13) في سورة النحل:{ فألقوا السلم ما كنا ...} إلخ. وفي آية أخرى منها:{ وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ...} الآية.