ثم تلتفت السورة إلى مثل هذا الإنسان في كل نماذجه ،لتواجهه بالصدمة القويّة التي تهز وجدانه هزّاً عنيفاً ،ليثوب إلى رشده ،ويرجع إلى عقله ،وليخرج من هذه الغفلة المطبقة على كل شعوره .
{أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} من دون عقيدةٍ شاملةٍ تخطط له منهج حياته ،ومن دون شريعةٍ تحدد له طبيعة خطواته ،ومن دون غايةٍ كبيرةٍ توجّه خط سيره ،وإذا كان الأمر كذلك ،فكيف تكون حكمة الله في الخلق ،وكيف يمكن للحياة أن تُختزل بمجرد أناس يولدون ثم يموتون ،ثم لا شيء في ذلك أو في ما وراء ذلك ،من مسؤولية الحركة في الحياة ،ومن نتائج المسؤولية بعدها ...وهل يعني هذا إلا العبث الذي يعبر عن اللاّمعنى ،ليكون الإنسان كمية مهملة ،فلا هدف له في حياته ،ولا خط له في حركته ،ولا مسؤولية له في كل أوضاعه ،وعندها ،ما الفرق بينه وبين الحيوان ؟إنّ طبيعة الأجهزة التي أودعها الله في وجوده ،لا سيما قوّة العقل والإدراك الذي يربط فيه بين الأشياء وصولاً للوقوف على القوانين والسنن الإلهية التي تنظمها وتوحد فيما بينها ،ثم في اكتشاف الخط الواحد الذي يربط بين الناس في خطواتهم العملية في الحياة ،لتكون كل خطوةٍ حركة في اتجاه الغاية الواحدة ،وليكون لكل حركةٍ موقعٌ معيّنٌ في حركة الحياة الممتدة في العمر الطويل والقصير ،وليكون ذلك كله نتيجةً عميقة ممتدة في نهاية المطاف ،إن دراسة الإنسان لطريقة وجوده في نشأته الأولى الخاضعة للتخطيط الإِلهيّ الدقيق في حركة الوجود ،يدلّ على أن الله لا يترك الإنسان مهملاً ،لأن الإهمال يتنافى مع سرّ الحكمة في ذلك .