{فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعْلَى} ،فلا تتّبعوا الأرباب الآخرين مما يلتزمهم الناس من الآلهة ،لأن ربوبيتهم لا ترقى إلى مستوى الربوبية الذي أنا فيه ،ولا تستمعوا إلى كل الادّعاءات الأخرى التي تحاول النيل من مقامي العظيم .قال هذه الكلمة ،وهو يحسب حساب النتائج التي يمكن أن تكون لمصلحة موسى( ع ) ،ليضع في داخلهم حاجزاً نفسياً ضد التأثر به والانجرار إليه ،بحيث لا يتمكنون من ترك ربهم الأعلى ،واتباع الساحر الذي يريد أن يصل إلى الموقع الأعلى بسحره .وقد كان الناس يفرّقون بين الساحر والإله ،لأن الساحر ينطلق ،في موقعه ،من خلال اللعبة الفنية التي يتحرك فيها ،ثم تنتهي الإثارة مع انتهاء المشهد .أمّا الإله ،فهو الذي ينطلق من الأسرار الخفية في ذاته ،ومن المعاني الغيبية في قدرته ،لترتبط به قضايا الناس ومصالحهم ومعاشهم ،إذاً ،لا مجال للمقارنة .
ولكنّ فرعون لم يصل إلى هدفه ،فقد آمن السحرة بموسى( ع ) ،وفشلت كل خططه في تدمير القوّة الروحيَّة التي يتحرك بها موسى( ع ) في ساحة الدعوة إلى الله ،وانقلب الأمر إلى عكس الخطة ،فقد ربح موسى( ع ) معركة ردّ التحدي في المشهد المثير بسجود السحرة لله عز وجل ،مما ترك تأثيره على الجماهير هناك ،وأتاح له الفرصة لأن يعرفه الناس في الاجتماع العام ،بعد أن كانت الفرص معدومةً أمامه .
وهكذا امتدّ الصراع ،وأخذ موسى( ع ) موقع القوّة ،وخرج بقومه لينأى بهم عن سيطرة فرعون ،وليؤكد قوّة الرسالة في مواقع جديدة ،وعلى أساس القاعدة الإيمانية التي توجّه المستضعفين إلى البحث عن أرضٍ أخرى يهاجرون إليها ليصنعوا فيها القوّة ،إذا لم يستطيعوا الأخذ بأسباب القوة في أرضهم التي يعيشون عليها ،ليرجعوا إليها بعد ذلك في قوّةٍ جديدةٍ للصراع وللتغيير .ولكن فرعون ظل مصرّاً على ملاحقة موسى( ع ) وقومه ،للتضييق على هذه الحركة الخطرة على سلطانه ،ولقتل موسى( ع ) ،وتصفية أتباعه في نهاية المطاف .