{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} وعرف عظمته في ربوبيته المطلقة المهيمنة على الكون وما فيه ،ما يجعل الإنسان يستشعر موقع العبودية في ذاته في موقعه من ربه ،من خلال استشعاره للألوهية في مقام الله التي تستتبع الإيمان والطاعة في كل شيء ،الأمر الذي يجعل الحياة بالنسبة إليه تمثل فرصة المسؤولية الخاشعة في ما يأمر به الله أو ينهى عنه ،لتكون إرادته مرتبطةً بإرادة الله ،فإذا أرادت منه نفسه أن يتمرد على الله انطلاقاً من رغباتها الذاتية ،وأهوائها الغريزية ،فإنه يبادر إلى أن ينهى نفسه عن السير في هذا الاتجاه ،ليجعل هواه تبعاً للإيمان ،لأن المسلم الحق ،الذي أسلم كل حياته لله ،هو الذي يحاول أن يصوغ نفسه صياغةً إيمانيّةً على خط التقوى ،ليكون العبد المطيع لله ،وهذا كله نتيجة الخوف من مقام ربه .{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} والمراد بالهوى هنا ،ليس كل ما تشتهيه النفس ،لأنها قد تشتهي الأشياء التي تنسجم مع ما يحبه الله ،بل المراد منه الهوى الذي لا يخضع للقاعدة الأخلاقية الشرعية في الإسلام .ولعل إطلاق الكلمة ناشىءٌ من أن العمل الذي يوحي به الالتزام لا يعبّر عنه بالهوى ،لأنه لا ينطلق من إرادة الإنسان باعتباره شهوةً ومزاجاً نفسياً ،بل من خلال إرادة الالتزام في إيمانه التي تمثل حرية الاختيار في شخصيته .وقد جاء في أصول الكافي بإسناده إلى داود الرقي عن أبي عبد الله جعفر الصادق( ع ) ،قال: «من علم أن الله يراه ،ويسمع ما يقول ،ويعلم ما يعمله من خيرٍ أو شرٍّ ،فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال ،فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى »