{وَأَمَّا مَنْ أُوتيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ} وهو الإنسان الكافر المعاند لله في عمله ،المحارب للرسول( ص ) وللرسالة .ولعل التعبير بإيتائه كتابه وراء ظهره ،واردٌ على سبيل الكناية التعبيرية عن أن مضمون هذا الكتاب لا يمثل العمل الذي يقدِّمه الإنسان بين يديه ،كما يفعل الواثقون بالنتائج الحسنة لأعمالهم فرحاً بها ،بل يمثل العمل الذي يطرحه الإنسان وراء ظهره ليخفيه عن الناس ،جزعاً منه ،أو العمل الذي يبقى في الدنيا لأنه لا نصيب له في الآخرة ،فكأنه تركه وراء ظهره ،في ما يعبر به ذلك عن الدنيا التي استدبرها ليستقبل الآخرة ،فلا ينافي ذلك ما ورد من إيتاء الكافرين كتبهم بشمالهم .وربما فسّر بعضهم عدم المنافاة ،بأنهم يؤتون كتبهم من وراء ظهورهم لردّ وجوههم على أدبارهم كما قال الله تعالى:{مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَآ} [ النساء: 47] .
وذكر بعضهم ،أنه ليس يمتنع أن يكون الذي يُعطى كتابه بشماله يعطاه كذلك من وراء ظهره .وعلى أيّ حالٍ ،فإن هذا الإنسان الذي يؤتى كتابه بهذه الطريقة ،يراد به الإنسان الذي قضى كل عمره في الجهد والتعب والمشقة في معصية الله والتّمردّ على رسله ،فهو الذي يشعر بالتعاسة والبؤس والشقاء ،لأن ما حصل عليه من اللذة في الدنيا ،قد تحوّل إلى الألم الكبير في الآخرة ،وأنّ ما كان يخيّل إليه من أوضاع السعادة ،قد تحوّل إلى أوضاع الشقاء ،ولذلك ،فإنّ موقفه ،هنا ،عندما يُدفَع إليه كتابه بهذا الشكل الذي يوحي إليه بالنتائج السيّئة في قضية مصيره ،يتمثل بهذا الواقع