{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} وقالت له: يا ربِّ ،ها أنا طوع إرادتك ،فافعل ما تشاء ،فلك الحق في ذلك كله ،وليس لي من الحقّ في أيّ موقعٍ خارج إرادتك .
بين طاعة الأرض والسماء وطاعة الإنسان
وهكذا يوحي استسلام الأرض والسماء لربهما من موقع حقّه في التصرّف بخلقه كما يريد ،باستسلام الخلق الحيّ العاقل ،المتمثل بالإنسان ،إليه ،لينقاد له من خلال الإرادة الواعية المطيعة ،فيخاطبه بذلك ،للفرق بينه وبين السماء والأرض ،بأن هذين المخلوقين العظيمين مطيعان له على أساس طبيعة التكوين الذاتي فيهما ،في ما خلقه فيهما من سِرّ الطواعية له في طبيعتهما ،فلا يملكان غير ذلك في حركتهما في نطاق القوانين الطبيعية أو في خارج ذلك ،مما يريد الله فعله فيهما .ولذلك ،كانت كلمة الإذن لربهما بالنسبة إليهما على نحو الكناية لا الحقيقة .
أمّا الإنسان ،فهو المخلوق الذي ألهمه الله فجوره وتقواه وهداه السبيل ليشكر أو يكفر ،فجعل في ذاته الإرادة المتحركة التي تملك القبول بأوامره ونواهيه ،كما تملك الرفض لها والتمرد عليها ،فهو الذي يعيش الاستسلام لله في وجوده التكويني في السنن الطبيعية التي تحكم حركة حياته في تأثره بالواقع الكونيّ من حوله ،ولكنه قد لا يستسلم في أفعاله التي يملك حرية الاختيار فيها .ولذلك ،حمّله الله بها مسؤولية عمله ،لأن مصيره يساوي عمله .