النفس المطمئنة
{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} التي عاشت الطمأنينة الروحية ،في انفتاحها الفكري الإيماني على آفاق الله في صفات الكمال والجمال ،فتخلقت بأخلاقه ،ووثقت به ،واطمأنت إليه وإلى قضائه ،والتزمت بطاعته ،وأنابت إليه ،فهي معه لا مع الناس ،وعندما تكون معهم ،فإنها تتحرك بالشعور الإيماني في محبة الله ورضاه ،في ما يريده لها أن تكون علاقتها بهم قريبةً إلى رضوانه ،لأنها ترضى برضى الله وتسخط بسخطه ،فتوالي من والى الله وتعادي من عاداه .
وإذا واجهتها المشاكل والضغوط والآلام والأحزان والتحديات ،فإنها تتلقّى ذلك كله بصبرٍ جميلٍ ،وروحٍ رضيّةٍ ،وأملٍ كبيرٍ بالله ،وثقةٍ بما عنده ،فلا تجزع ،ولا تهلع ،ولا تسقط ولا تهتز ،لأن الاطمئنان الروحي الذي يغمر روحها وحياتها ،يتحوّل إلى اطمئنانٍ عمليٍّ بالنتائج الإيجابية من خلال الموقف القويّ الهادىء الواثق بالله .
وهكذا يمنح الإيمان صاحبه روحية الطمأنينة للحاضر وللمستقبل ،لأنه يثق بالتدبير الإلهي ،والرعاية الربوبية للناس وللحياة ،فكل شيءٍ عنده بمقدار ،وهو الرحمن الرحيم العليم الحكيم الخبير ،فلا يخاف الإنسان من أيّ اهتزاز أو انحرافٍ في النظام الكوني المتقن ،الذي يضمن للإنسان مصلحته على الصعيد العام أو الخاص ،فلا يريد الله بعباده شرّاً ،بل قد يوقع بهم المصائب والبلايا ،ليختبرهم وليمنحهم الفرصة لينالوا أعلى الدرجات .وإذا فكر الإنسان بالحياة وبالموت ،فإنه يفكر بأنهما بيد الله ،فهو الذي يحيي ويميت وإليه المرجع ،الذي يجعل الإنسان هناك في أمن وسلامٍ ،إذا كان من المؤمنين الصالحين الذين عاشوا في محبة الله وساروا في طريقه المستقيم .وينطلق هذا النداء ،ليوحي للإنسان بكل معاني التكريم والمحبة ،والقرب والعطف .