{خُلِّفُواْ}: تخلفوا عن السير مع رسول الله( ص ) .
{رَحُبَتْ}: اتسعت .
مقاطعة المتخلفين الثلاثة
{وَعَلَى الثّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} وتأخروا عن السير مع النبي1 ،فبقوا في المدينة ،ورجع النبي من غزوته وجاؤوا يعتذرون ،فهم لم يتأخروا عنه تمرّداً وعناداً ونفاقاً وعصياناً ،ولكنه أراد أن يلقنهم درساً ،ويعلِّم الآخرين شيئاً منه ،فأمر المؤمنين بمقاطعتهم ،حتى جاءت نساؤهم ،فأمرهن النبي باعتزالهم ،فصاروا في عزلةٍ خانقةٍ ،حتى أنهم كانوا يأتونهم بالطعام والماء فيضعونه أمامهم من دون تحيّةٍ ولا كلام .ومضت عليهم خمسون ليلة في هذا الجوّ الخانق ،{حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} فلم يجدوا ملجأً يلجأون إليه ،لأن القضية ليست قضية ضيق المكان ،بل هي قضية ضيق الجو النفسي الداخلي الذي يوحي إليهم بالطرد من المجتمع ،والبعد عن رحمة الله ،وبذلك يعيش الإنسان حالة السجن في الأفق الرحب{وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} فأحسوا بما يشبه الاختناق{وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ} فهو الرب الرحيم الذي يسع عباده بالرحمة ،فيغفر لهم أخطاءهم ويعفو عن ذنوبهم ،فلا مرجع إلا إلى رحابه ،ولا ملجأ إلا في كنف رحمته ،فمهما هرب العبد منه ،فإنه يرجع إليه{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} بعدما اطلع على صدق موقفهم وصحة إيمانهم{لِيَتُوبُواْ} ويرجعوا إليه ويستقيموا في طريقه ويتحركوا في هداه ويسيروا مع المسيرة الإلهية ،بكل ما تفرضه من مسؤوليات ،وما تواجهه من مشاكل{إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} الذي يقود عباده إلى التوبة ويتقبلها منهم ويشملهم برحمته .
وهكذا عاد هؤلاء الثلاثة ،وهم كعب بن مالك الشاعر ،ومروان بن الربيع ،وهلال بن أميّة الواقفي ،ودخلوا في المجتمع الإسلامي من جديد ،ليكونوا أعضاءً عاملين صالحين ،بعيداً عن كل ما يثقل حركتهم ،ويضعف موقفهم ،ويبعدهم عن تحمّل مسؤولياتهم في حركة الإسلام من جديد .وتلك هي قصة القافلة في مسيرتها الطويلة ،التي قد يتساقط فيها الكثيرون ،ولكن الله يفسح لهم المجال للرجوع إليه من جديد ،ليأخذوا بأسباب القوّة بعد الوقوع في وهدة الضعف ،وينطلقوا في اتجاه المسؤولية بعد أن ابتعدوا عنها .وهكذا يقود الله الناس إلى الاستقامةبعد الانحرافمن أقرب طريق ،وتلك هي قصة التوبة في تصحيح مسار الإنسان .