{وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ118} .
المفردات:
خلفوا: أخر أمر قبول توبتهم .
بما رحبت: أي: مع رحابتها وسعتها ،والرحب سعة المكان .
لا ملجأ من الله: لا مفر ولا منجى من سخطه وعقابه .
التفسير:
118{وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ...} الآية .
قصة هؤلاء الثلاثة أخرجها الإمام أحمد في مسنده وأخرجها البخاري في كتاب المغازي ،ومسلم في كتاب التوبة .
وخلاصة هذه القصة يرويها ابن هشام فيقول155:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عائدا من تبوك ،وكان قد تخلف عنه رهط المنافقين ،وتخلف أولئك الثلاثة من المسلمين المخلصين من غير شك ولا نفاق ،وهم كعب بن مالك ،ومرارة بن الربيع ،وهلال بن أمية ،فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ( لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة ) لأنهم لم يقدموا عذرا عن تخلفهم .وأتاه من تخلف من المنافقين ،فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ،فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛معاملة لهم بظاهرهم ،واعتزل المسلمون أولئك النفر الثلاثة ،ثم نزلت هذه الآية معلنة قبول توبتهم وعفو الله عنهم .
معنى الآية: هذه الآية معطوفة على سابقتها .
والمعنى: لقد تقبل توبة النبي والمهاجرين والأنصار ،وتقبل كذلك توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزو لا بسبب النفاق ؛وإنما كسلا وإيثارا للراحة والقعود ،وخلفوا الغازين بالمدينة ،أي: صاروا خلفاء للذين ذهبوا إلى الغزو .
وقد وصف الله هؤلاء الثلاثة بصفات ثلاث:
الصفة الأولى:
{حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} .لقد تخلفوا عن الغزو ،ثم ندموا بسبب إعراض الناس عنهم ،ومقاطعتهم لهم ،وإعراض الرسول عنهم ،وأمر أزواجهم باعتزالهم ،حتى بقوا على هذه الحالة خمسين يوما .
الصفة الثانية:
{وضاقت عليهم أنفسهم} .بسبب الهم والغم ،وشدة الندم والألم .
الصفة الثالثة:
{وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} .اعتقدوا وتيقنوا أنهم لا ملجأ ولا ملاذ لهم ،من غضب الله وعقوبته إلا بالرجوع إليه ،وصدق الندم والتوبة ،والعزم على الاستقامة والعودة .
{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} . أي: بعد هذا التأديب الشديد ؛علم الله منهم صدق الندم على ما فعلوا ،فأنزل الله قبول التوبة منهم ،ليصيروا في جملة التوابين ،وليستمروا ويثبتوا على توبتهم ؛إنه سبحانه كثير القبول لتوبة التائبين ،واسع الرحمة بالناس أجمعين .
أثر التوبة:
التوبة: نعمة من الله على عباده ،وكل بني آدم خطاء و خير الخطاءين التوابون .
ونلمح من الآية السابقة ،تماسك المجتمع ،وطاعته للرسول ،فالمخالف والمتخلف عن الغزو ؛هجر وترك ؛حتى اشتد ندمه ؛فتاب الله عليه .
من تفسير الكشاف:
«بلغ أبو خيثمة الأنصاري بستانه ،إبان غزوة تبوك ،وكانت له امرأة حسناء ،فرشت له الظل ،وبسطت له الحصير ،وقربت إليه الرطب والماء البارد ،فنظر فقال: ظل ظليل ،ورطب يانع ،وماء بارد ،وامرأة حسناء ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر والريح ،ما هذا بخير !فقام فرحل ناقته ،وأخذ سيفه ورمحه ،ومر كالريح ؛فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطريق ،فإذا براكب يزهاه السراب ؛فقال: كن أبا حثيمة! فكان ،ففرح به الرسول صلى الله عليه وسلم ،واستغفر له .