التهديد بالعذاب على عدم النفور
{إِلاَّ تَنفِرُواْ} وتستجيبوا لله في ما يأمركم به من الجهاد ،فتقعدوا في بيوتكم في حالة كسل وخوف واسترخاء{يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} جزاءً لتمردكم على الله قبل ذلك ،فإن الله لا يعذّب قوماً حتى يقيم عليهم الحجة{وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} لا يتثاقلون عند الدعوة إلى الجهاد ،لأنهم يتحركون في الحياة من مواقع القاعدة الإيمانية التي تحكم كل تصوراتهم وأعمالهم وعلاقاتهم على أساسٍ من وعي المسؤولية أمام الله ،في ما يعيشون من محبة الله وخوفه ،وبذلك فهم يجدون الحياة ،في مفهومهم لموقعها الحقيقي من شخصيتهم ،هبة الله التي يملك أمر استمرارها ،كما يملك أمر إزالتها من أجل غايات الحياة التي أراد الله لها أن تعيش من أجلها ،فليس لهم أن يمتنعوا عما يريده لهم من ذلك كله ،لأن الأمر كله بيده ،وهذا ما ينبغي لكم أن تعيشوه وتواجهوه وتنتظروه ،فلا تعتبروا المسألة مقتصرة عليكم ،فلستم أوّل الناس الذين يدعوهم الرسول إلى الجهاد ،ولستم آخرهم ،بل أنتم مجرد مرحلةٍ طارئةٍ من مراحل المسيرة الإسلامية الطويلة ،التي قد تتأثّر بعض الشيء بالمواقف السلبيّة التي يقفها السائرون في الطريق ،ولكن ذلك لا يلغيها ولا يجمّدها .{وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا} لأنّ لله عباداً صالحين مجاهدين يعملون من أجل حمل المسؤولية ومتابعتها بكل صدقٍ وعزيمةٍ وإصرارٍ ،ولا بدّ لهم من أن يتحركوا في الخط الطويل ويسيروا على طبيعة المنهج{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ،لأن الأشياء كلها ملكه وفي قبضته ،فلا مجال إلاّ له في كل شيء ومع كل شيء وأمام كل شيء ،بالمعنى الذي يجعل العقول والعيون والمشاعر محدّقةً بجلاله في عملية وعيٍ متحرك ،وذلك هو سر إخراج المؤمنين من الظلمات إلى النور في ما يريد الله سبحانه أن يخرجهم منه ،إلى إشراقة النور في الحياة ،من خلال رسالاته التي أراد لرسله أن يعرّفوها للناس ،ويؤكدوها في دعوتهم التي تنطلق في أجواء الرسالات ،ويحركوها في وعي الناس ،لتثير فيهم الشعور الواعي بقدرة الله المطلقة التي تحميهم من الانسحاق أمام نقاط ضعفهم في مواجهة قوّة الآخرين ،ليجدوا في ارتباطهم بالله القوّة كلها ،في الزمن كله .