إن عاقبة القصور عن الجهاد هي الذل ، والهون ، ولذا قال تعالى:{ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 39 )} .
هذا إنذار من الله لكل الذين يتركون الجهاد ، ولا ينفرون في سبيل الله ، فقد أنذر في هذه الآية بالعذاب والسخط والهلاك ، وأنه لا ضرر على الله ورسوله .
{ إِلاَّ تَنفِرُواْ} أي في سبيل الله والجهاد ، هي ( إن ) الشرطية المدغمة في ( لا ) ، وجوب الشرط{ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ، ذكر العذاب منكرا ، مطلقا ، والتنكير لتعظيم هذا العذاب ، وأنه شديد التثاقل عن الجهاد عن وجود موجبه ودعوة الإمام الحق إليه ، وإطلاقه يفيد تعدده وكثرته ، فهو يشمل الغزو من الأعداء ، والذلة ، والمهانة والصغار ، هذا في الدنيا ، أما في يوم القيامة فنار جحيم وغضب الله ، وسخطه ، وبعده عنه .
وذكر مع العذاب الأليم الهلاك ، فقال تعالى:{ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} أنه يكون عند هلاككم ، وحيث تهلكون مصحوبين بالخزي والهزيمة والعار ويجيء قوم يكونون أشد بأسا وأعرف بحق الله تعالى منكم . وأرضى له ، ثم يقول سبحانه:{ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا} ، أي شيء من الضلال قليلا كان أو كثيرا ، والضمير يعود – في ظاهر السياق ( على الله سبحانه وتعالى ) وعنى على ذلك – أن الله تعالى غني عن العباد ، وهم الفقراء إليه ، والآية تشير إلى أنه لا يضرون إلا أنفسهم ، فالعاقبة تعود إليهم ، فهم الذين تنزل بهم الذلة ، وتركبهم المهانة ، وتلحقهم الهزيمة .
ويجوز أن يعود الضمير إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حاضر في الأذهان دائما وهو الذي دعاهم إلى أن ينصرهم بأمر ربهم ويكون المعنى لا تضروا الرسول بتخاذلكم ، وتثاقلكم شيئا ، فإن الله تعالى ناصره ، فإن لم يكن بكم فبغيركم{ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فهو قادر على أن ينصره بغيركم ، ولكن بعد فنائهم وضرب الذلة عليكم .
وإن الإنذار الذي اشتملت عليه هذه الآية عام خالد ، يشمل العصور كلها ، فمن يوم أن اثاقلت الأمة الإسلامية عن الجهاد ، وتركته ، ضربت عليها الذلة ، وتفرق المسلمون ، فصار بأسهم بينهم شديد ، وتوزعتهم الأمم ، ونزل بهم العذاب الأليم في الدنيا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .