{وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ}: أي يمسكون أموالهم عن إنفاقها في طاعة الله .
حقيقة المنافقين ووظيفتهم
وهذه جولةٌ في أجواء المنافقين والمنافقات في خصائصهم البارزة التي تحكم كل أوضاعهم السلبيّة في ما يفعلون أو يتركون ،في مقابلةٍ بينهم وبين المؤمنين ،لتتضح الصورة لدينا من موقع التمايز البارز في الأقوال والأفعال والمواقف ،ثم ليعرف الناس نهاياتهم في ما ينتظرهم عند الله من شؤون الثواب والعقاب .
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ} في عملية ارتباط عضويّ ،من خلال ما يمثله مجتمع النفاق من ارتباط بين أفراده في الأفكار والمشاعر والأعمال ،{يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} في مواجهةٍ حادّةٍ للخط الإيماني الذي جاءت به الرسالات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،لأن ذلك هو ما يمثله دورهم الشيطانيّ في تخريب الأسس الروحيّة والأخلاقية الاجتماعية ،بسبب ما يثيرون من عوامل الريب والتشكيك والتضليل التي تغيّر صورة الأشياء ،فتقلب الحق باطلاً والباطل حقّاً ،كوسيلةٍ من وسائل تعطيل المسيرة الإيمانيّة في اتجاه الرسالات الإلهيّة .
{وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} عن الخير والعطاء في سبيل الله ،لأنهم يعيشون أنانياتهم الذاتية التي تجعلهم لا يتصورون إلا الآفاق الداخليّة لشخصياتهم المحدودة المهزوزة ،فلا يشعرون بأيّة مسؤوليّةٍ تجاه الآخرين الذين يعيشون مشاكل الجوع والحرمان ،لأن المشاعر الخيّرة التي تنساب في أعماق الروح ،لا بد لها من دوافع روحيّةٍ عميقةٍ تتصل بالإيمان بالله ،في ما يوحيه للإنسان من أخلاقية التضحية وروحيّة العطاء ،ما يدفعه إلى المزيد من وعي المسؤولية في حركة الإيثار ،بعيداً عن العوض الماديّ الذي يحوّل المسألة إلى عمليّةٍ تجاريّةٍ ،لأن قصته في معنى الإيمان ،هي قصة السموّ الروحي الذي يعيش معه الأمل الكبير بالحصول على الرضا من الله ،فذلك هو الربح الكبير عنده ،والعوض العظيم لديه .أمّا الذين لا يعيشون الإيمان ،فما هي الدوافع التي تثير فيهم روح العطاء ،إنهم يفقدون كل شيءٍ يوحي بالخير ،لأنهم يفقدون هذا الجو الحميم الذي يرتفع بأرواحهم إلى آفاق الله .
{نَسُواْ اللَّهَ} في ما يفكرون ،فكان فكرهم شيطنةً ومكراً ،وفي ما يشعرون ،فكان شعورهم حقداً وبغضاءً ،وفي ما يعملون ،فكان عملهم تمرّداً وعصياناً وانحرافاً عن الخط المستقيم ،لأنهم عندما فقدوا الله في فكرهم وشعورهم وحياتهم ،التقوا بالشيطان من أقرب طريق ،لأن أيّة منطقة تخلو من الله ،لا بدّ من أن يدخلها الشيطان ،{فَنَسِيَهُمْ} بحرمانهم من لطفه ورضوانه ورحمته ،إذ لا معنى لنسيان الله للناس ،إلا إهماله لهم ،واعتبارهم مجرّد كميّاتٍ مهملةٍ لا تعني شيئاً ولا تمثّل شيئاً في ما يفيضه من رحمته ورضوانه وعفوه وغفرانه{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} الذين يجسّدون الفسق واقعاً حيّاً يشير إلى المفهوم العملي للفسق بأوضح صورة ،في ما يمثله سلوكهم ،وتتكشف عنه نفسيّاتهم ،من خبثٍ وتعقيد وانحرافٍ عن طريق الله