أحوال المنافقين وصفاتهم
وقد بين سبحانه صفات المنافقين الذين لا يرجى إيمانهم ، فقال تعالت كلماته:{ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون67} .
إن المنافقين ينعزلون عن الجماعة المؤمنة ، فهم في نفرة عنهم ، ويكونون أنفسهم جماعة موحدة يجمعها فكر عام موحد يناقض الجماعة العامة التي يعيشون فيها ، فلا يرضيهم ما يرضي الجماعة بل يخالفونها ، ويناقضونها فيما تفكر وفيما تعمل ، فقد عزلوا أنفسهم عنها ، فإذا كانت الجماعة العامة متضافرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهم عكسوا ، معروفهم منكر عند جماعة المؤمنين ، ومنكرهم هو المعروف ، ولذا قال تعالى:
{ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} أي أنهم كل متصل الأجزاء ، ولايتهم واحدة وتناصرهم واحد ، وفي هذا تكذيب ليمينهم الكاذب فيما نقله سبحانه عنهم{ ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم . . .56} ، وهو تأكيد لما قال سبحانه في نفى أنهم منكم .
ولقد أشار سبحانه وتعالى إلى أنهم متضافرون في أرسهم ، فأسرهم في الجملة منافقة ، ولذا ذكر سبحانه وتعالى المنافقات والمنافقين ، وقال تعالى:{ بعضهم من بعض} ، أي أنهم لحمة متصلة يتغذى بعضهم بلبان النفاق من بعض ، فهم بيئة واحدة يغذيها لبن النفاق ، أو بالأحرى سمه .
وقد ذكر سبحانه أحوالهم:
أولاها:أنهم ينشرون الفساد في الفكر والعمل ، فلهم رأي عام يخصهم يسوده الفساد في النفوس والأخلاق ، يشجع الرذيلة ويتهكم على الفضيلة ، وعبر سبحانه تعالى عن ذلك بقوله:{ يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف} يشجعون كل ما هو شر ، ويمنعون كل ما هو خير ، معروفهم منكر ، ومنكرهم هو المعروف ، وهكذا يقضى الله على بعض الجماعات الإنسانية بالشر ، كما نرى الآن من منافقي عصرنا ، فعدلهم ظلم وحريتهم اعتداء ، وشوراهم استبداد .
الثانية:أنهم غير متعاونين في ذات أنفسهم ، وفي جماعتهم فلا ينفقون في خير قط ، والشح يستولي على أنفسهم ، ولا يجعلون أنفسهم في وقاية منه ، بين تعالى في ذلك الوصف بقوله تعالى:{ ويقبضون أيديهم} القبض ضد البسط ، وقبض اليد غلها عن الإنفاق ، فعبر عن عدم الإنفاق في موضعه بقبض اليد ، كما عبر عن الإنفاق في موضعه ببسط اليد ، كما قال تعالى:{ وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنلوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء . . .64}( المائدة )
الثالثة:أنهم ينسون الخير نسيانا ، فإذا ذكر لهم الخير تهكموا بصاحبه ، وقالوا مستهزئين متهكمين بمن يتكلم في الفضيلة ، وهذا عبر الله عنه بقوله:{ نسوا الله فنسيهم} أي نسوا الله تعالى فلا تذكره قلوبهم ، ولا تطمئن به ، إن القلوب إذا نسيت الله لا تطيع أمره ، ولا تجتنب نواهيه ، ونسيان الله تعالى ألا يوفقهم لخير ، وأن يجعلهم منغمسين في الشر الذي اختاروه والضلال الذي أحيط بهم .
وإن المنافقين قد ينفقون في حالين:إحداهما أن يستروا نفاقهم ، كما كان المعتذرون المتخلفون عن الجهاد يعتذرون عن الخروج ، ويقولون هذه أموالنا خذوا منها ما شئتم .
والحال الرابعة- أن ينفقوا في ا لشرلتأييد الفاسدين ، وقد نسوا رقابة الله ، فنسيهم أي فتركهم يرتعون ويعبثون حتى يوم الحساب . ولقد قال تعالى حاكما عليهم:{ إن المنافقين هم الفاسقون} الفسق هو الخروج والتمرد على الحقائق ، وهو هنا أشد من الكفر ، فهم كافرون بنفاقهم إذ يسترون الكفر ، ويظهرون الإسلام ، وبهذه المساوئ التي أشار إليها الكتاب العزيز ، فيتمردون على الله ، ويعاندونه ، ويحادونه إذ يحادون الحق .
وقد قال الزمخشري:إن فسقهم هو الفسق الكامل ، ونقول إن الله تعالى أكد فسقهم ، بالجملة الاسمية ، وب{ إن} ، وقصرهم على الفسق بتعريف الطرفين ، وبضمير الفصل{ هم} ،أي أنهم مقصورون على الفسق لا يخرجون من دائرته فهو محيط بهم ، إحاطة الدائرة بقطرها .