{مَتْرَبَةٍ}: من التراب ،ومعناها الالتصاق بالتراب من شدة الفقر .
{أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} وهو اللاصق بالتراب من بؤسه وشدّة حاله ،حتى لا يجد ما يقيه من التراب مما يتغطى به الناس من البرد .
وقد لا يكون للإطعام خصوصيةٌ في ذاته إلاَّ من خلال كونه مظهراً من مظاهر إعانة الفقير والمسكين في ما يحتاجان إليه من غذاء أو كساء أو شراب ،ولعل الحديث عنه من جهة أن الجوع يمثل الحالة الأصعب في المشكلة اليوميّة المتحركة التي قد تؤدِّي بالإنسان إلى الهلاك ،وتوقعه فريسةً للآلام الشديدة .
وقد جاء في كتاب الكافي بإسناده عن معمر بن خلاّد قال: «كان أبو الحسن الرضا( ع ) إذا أكل أتي بصحفةٍ ،فتوضع بقرب مائدته ،فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به ،فيأخذ من كل شيءٍ شيئاً ،فيضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين ،ثم يتلو هذه الآية:{فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ} ،ثم يقول: علم الله عز وجل أنه ليس كل إنسانٍ يقدر على عتق رقبةٍ ،فجعل لهم السبيل إلى الجنة[ 1] .
وإذا كانت السورة مكيّةً ،كما هو المعروف ،فإن التأكيد على المسألة الاجتماعية في عتق الرقيق وفي إطعام الطعام ،يبدو مبكّراً كمدخلٍ للتخطيط الواسع لهذا الاتجاه في شريعة هذا الدين الجديد ،الذي ستتحرك تفاصيله في مستقبله في حلّ المشكلة الإنسانية المعقدة ،ليوحي للناس بالحياة الواقعية التي يستريح إليها الإنسان .إنها الإشارات الأولى التي تفتح المسألة العقيدية على المسألة الاجتماعية في ما خطط الله له من تدريجية التشريع .