)فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) ( البقرة:10 )
التفسير:
قوله تعالى:{في قلوبهم مرض}: هذه الجملة جملة اسمية تدل على مكث وتمكنُّ هذا المرض في قلوبهم ؛ولكنه مرض على وجه قليل أثّر بهم حتى بلغوا النفاق ؛ومن أجل هذا المرض قال سبحانه وتعالى:{فزادهم الله مرضاً}: الفاء هنا عاطفة ؛ولكنها تفيد معنى السببية: زادهم الله مرضاً على مرضهم ؛لأنهم .والعياذ بالله .يريدون الكفر ؛وهذه الإرادة مرض أدى بهم إلى زيادة المرض ؛لأن الإرادات التي في القلوب عبارة عن صلاح القلوب ،أو فسادها ؛فإذا كان القلب يريد خيراً فهو دليل على سلامته ،وصحته ؛وإذا كان يريد الشر فهو دليل على مرضه ،وعلته ..
وهؤلاء قلوبهم تريد الكفر ؛لأنهم يقولون لشياطينهم إذا خلوا إليهم:{إنا معكم إنما نحن مستهزئون} [ البقرة: 14] ،أي بهؤلاء المؤمنين السذج .على زعمهم .ويرون أن المؤمنين ليسوا بشيء ،وأن العِلْية من القوم هم الكفار ؛ولهذا جاء التعبير ب{إنا معكم} [ البقرة: 14] الذي يفيد المصاحبة ،والملازمة ..
فهذا مرض زادهم الله به مرضاً إلى مرضهم حتى بلغوا إلى موت القلوب ،وعدم إحساسها ،وشعورها ..
قوله تعالى في مجازاتهم:{ولهم عذاب} أي عقوبة ؛{أليم} أي مؤلم ؛فهو شديد ،وعظيم ،وكثير ؛لأن الأليم قد يكون مؤلماً لقوته ،وشدته: فضربة واحدة بقوة تؤلم الإنسان ؛وقد يكون مؤلماً لكثرته: فقد يكون ضرباً خفيفاً ؛ولكن إذا كثر ،وتوالى آلَم ؛وقد اجتمع في هؤلاء المنافقين الأمران ؛لأنهم في الدرك الأسفل من النار .وهذا ألم حسي .؛وقال تعالى في أهل النار:{كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} [ السجدة: 20] ،وهذا ألم قلبي يحصل بتوبيخهم ..
قوله تعالى:{بما كانوا يكذبون}: الباء للسببية .أي بسبب كذبهم .،أو تكذيبهم ؛و"ما "مصدرية تؤول وما بعدها بمصدر ؛فيكون التقدير: بكونهم كاذبين ؛أو: بكونهم مكذبين ؛لأن في الآية قراءتين ؛الأولى: بفتح الياء ،وسكون الكاف ،وكسر الذال مخففة ؛ومعناها: يَكْذِبون بقولهم: آمنا بالله ،وباليوم الآخر .وما هم بمؤمنين .؛والقراءة الثانية: بضم الياء ،وفتح الكاف ،وكسر الذال مشددة ؛ومعناها: يُكَذِّبون الله ،ورسوله ؛وقد اجتمع الوصفان في المنافقين ؛فهم كاذبون مكذِّبون ..
الفوائد:
. 1من فوائد الآية: أن الإنسان إذا لم يكن له إقبال على الحق ،وكان قلبه مريضاً فإنه يعاقب بزيادة المرض ؛لقوله تعالى:{في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً}؛وهذا المرض الذي في قلوب المنافقين: شبهات ،وشهوات ؛فمنهم من علم الحق ،لكن لم يُرِده ؛ومنهم من اشتبه عليه ؛وقد قال الله تعالى في سورة النساء:{إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلًا} [ النساء: 137] ،وقال تعالى في سورة المنافقين:{ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} [ المنافقون: 3] ..
. 2ومن فوائد الآية: أن أسباب إضلال اللَّهِ العبدَ هو من العبد ؛لقوله تعالى:{في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً}؛ومثل ذلك قوله تعالى:{فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [ الصف: 5] ،وقوله تعالى:{ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} [ الأنعام: 110] ،وقوله تعالى:{فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} [ المائدة: 49] ..
. 3 ومنها: أن المعاصي والفسوق ،تزيد وتنقص ،كما أن الإيمان يزيد وينقص ؛لقوله تعالى:{فزادهم الله مرضاً}؛والزيادة لا تُعقل إلا في مقابلة النقص ؛فكما أن الإيمان يزيد وينقص ،كذلك الفسق يزيد ،وينقص ؛والمرض يزيد ،وينقص ..
. 4 ومنها: الوعيد الشديد للمنافقين ؛لقوله تعالى: ( ولهم عذاب أليم )
. 5ومنها: أن العقوبات لا تكون إلا بأسباب .أي أن الله لا يعذب أحداً إلا بذنب .؛لقوله تعالى:
( بما كانوا يكذبون )
. 6ومنها: أن هؤلاء المنافقين جمعوا بين الكذب ،والتكذيب ؛وهذا شر الأحوال ..
. 7 ومنها: ذم الكذب ،وأنه سبب للعقوبة ؛فإن الكذب من أقبح الخصال ؛وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكذب من خصال المنافقين ،فقال صلى الله عليه وسلم"آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب ..."{[58]} الحديث ؛والكذب مذموم شرعاً ،ومذموم عادة ،ومذموم فطرة أيضاً ..
مسألة:-
إن قيل: كيف يكون خداعهم لله وهو يعلم ما في قلوبهم ؟
فالجواب: أنهم إذا أظهروا إسلامهم فكأنما خادعوا الله ؛لأنهم حينئذ تُجرى عليهم أحكام الإسلام ،فيلوذون بحكم الله .تبارك وتعالى .حيث عصموا دماءهم وأموالهم بذلك ..