قوله: ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليهم بما كانوا يكذبون (تكشف هذه الآية عن طبيعة ملتوية للمنافقين الذين يخالط قلوبهم المرض ،وقد ورد في تفسير المرض عدة أقوال منها: أنه يعني الشك ،وقيل: النفاق والرياء ،وقيل غير ذلك ،وفي تقديرنا أن المقصود بالمرض هنا لا يمكن تحديده بأحد هذه الضروب المعنية وهي الشك أو النفاق أو الرياء أو الجحد والتكذيب كما قيل .
مع أن هذه الظواهر جميعها لا تخرج عن دائرة المرض في مفهومه الشامل ،أو أنها أعراض فاسدة قبيحة يتمخض عنها المرض نفسه ،لكننا نتصور أن المرض الذي يخالط القلوب فيسميها الإفساد والتخريب لتنشأ عن ذلك ظواهر الشك أو النفاق أو غيره ،إنما هو الذي يأتي على الفطرة البشرية لتكون مشلولة فاسدة لا تزجي غير الشر والضلال ،أو هو الذي يأتي على النفس فتكون ملتوية غير سوية وقد أفسدها التعقيد والانحراف .
ويمكن إيجاز ذلك في عبارة سريعة لتفسير المرض فنقول: إنه الانحراف الذي يغشى طبيعة الإنسان ،فتكون ضالة عن صراط الحق السوي ،أو تكون منحرفة انحرافا مشينا يتجه بالإنسان صوب الشر والفساد ،أو صوب الضلال والميل عن منهج الله .
وقوله: (فزادهم الله مرضا(قيل: إن هذه العبارة الكريمة تحتمل أحد معنيين: أحدهما: الإخبار وهو أن الله سبحانه يزيد هؤلاء المنافقين مرضا على مرضهم ،ثانيهما: الدعاء على المنافقين كي يزيدهم الله مرضا فوق مرضهم ،غير أننا نرجح القول الأول ،ويمكن أن نتصور كيفية ذلك وهو أن هؤلاء المنافقين سادرون في الغي والضلال ،فلا تمر الأيام إلا وهم يزدادون رجسا على رجس ،بحيث تتعاظم مفاسدهم وخطاياهم بفعل الفطرة الفاسدة الملتوية التي تسول لهم الخطيئة والحرام .
قوله: (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (الضمير عائد على المنافقين الذي أعد الله لهم العذاب الأليم ،وهو على صيغة مبالغة من الفعل"ألم "والأليم هو المؤلم الموجع ،وسبب ذلك أنهم كاذبون فقد كذبوا على الله وكذبوا على المؤمنين إذ قالوا لهم: إننا مؤمنون ،وفي قراءة أخرى بالتشديد يكذبون أي يجحدون نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام ويكذبونه فيما جاء به من كتاب .