{ ) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) ( البقرة:147 )
التفسير:
قوله تعالى:{الحق من ربك}؛{الحق} مبتدأ ؛و{من ربك} خبره ؛وهنا الجملة لتقرير ما سبق ؛يعنى أن الحق ثابت ،وحاصل من ربك ؛وقيل: إن{الحق} خبر لمبتدأ محذوف ؛والتقدير: هذا الحق من ربك .
وهنا الربوية خاصة ؛لأن الله سبحانه وتعالى رب العالمين ؛لكن أضافها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛لأن المقام يقتضيه ،حيث هو مقام التثبيت ،والنصرة ؛فلولا أن الله سبحانه وتعالى ثبَّت الرسول صلى الله عليه وسلم لكان كما قال الله تعالى:{ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً * إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً} [ الإسراء: 74 ،75]؛و «الرب » هو الخالق المالك المدَبِّر: هو الذي خلق الخلق كله ؛وهو مالك الخلق كله ؛وهو سبحانه وتعالى المدبر للخلق كله .
قوله تعالى:{فلا تكونن من الممترين}؛{لا} ناهية ؛والفعل بعدها مبني على الفتح في محل جزم ؛وإنما بني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ؛لأن الفعل المضارع إذا اتصل بنون التوكيد صار مبنياً على الفتح دائماً ؛والخطاب هنا للرسول ( ص ) ؛وهذا النهي يراد به التثبيت ؛إذ لا يمكن وقوع الامتراء من النبي صلى الله عليه وسلم ؛كما أن أمر المؤمن بالإيمان يراد به الثبوت ،والاستمرار عليه ،كما في قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل} [ النساء: 136] ،كما أن الشرط قد يعلق بما لا يمكن وقوعه كما سبق في قوله تعالى:{ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين} [ البقرة: 145] .
قوله تعالى:{من الممترين}: معنى «الامتراء »: الشك .
الفوائد:
1من فوائد الآية: أن ما جاء من عند الله فهو حق ؛لقوله تعالى:{الحق من ربك} .
2 ومنها: أنه ما دام الحق من الله فإنه يجب أن يؤمن الإنسان به ،وأن لا يلحقه في ذلك شك ،ولا مرية .
3 ومنها: أن كل شيء خالف ما جاء عن الله فهو باطل ؛لقوله تعالى:{فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} [ يونس: 32] .
4 ومنها: تقوية الرسول صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه من الحقوإن كتمه أهل الكتابلأن الإنسان بشر ؛لما أنكر هؤلاء الذين أوتوا الكتاب الحق قد يعتري الإنسان شيء من الشبهةوإن كان بعيداً ؛فبين الله سبحانه وتعالى أن ما جاء به هو الحق ؛لقوله تعالى:{الحق من ربك} .
5 ومنها: عناية الله سبحانه وتعالى بالنبي بذكره بالربوبية الخاصة ؛لقوله تعالى:{من ربك} .
6- ومنها: أن الشك ينافي الإيمان ؛لقوله تعالى:{فلا تكونن من الممترين} .
7- ومنها: أنه قد ينهى عن الشيء مع استحالة وقوعه ؛لقوله تعالى:{فلا تكونن من الممترين}؛فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون من الممترين .
8- ومنها: عناية الله سبحانه وتعالى بالرسول صلى الله عليه وسلم بالتثبيت ؛لأن قوله تعالى له:{الحق من ربك} يقتضي ثباته عليه ؛وقوله تعالى:{فلا تكونن من الممترين} يقتضي استمراره على هذا الثبات ؛ولا شك أن في هذا من تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم ،وتثبيته ما هو ظاهر .