{ ) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) ( البقرة:154 )
التفسير:
قوله تعالى:{ولا تقولوا}؛{لا} ناهية ؛ولهذا جزمت الفعل ؛وعلامة جزمه حذف النون .
قوله تعالى:{لمن يقتل في سبيل الله} أي فيمن يقتل في سبيل الله ؛وهو الذي قاتل لتكون كلمة الله هي العليا .
قوله تعالى:{أموات} خبر مبتدأ محذوف ،والتقدير: هم أموات .
فإن قال قائل: كيف لا نقول أموات وقد ماتوا ؟
فالجواب: أن المراد هنا: لا تقولوا: أموات موتاً مطلقاً - دون الموت الذي هو مفارقة الروح للجسد ؛فهذا موجود ؛ولولا أن أرواحهم فارقت أجسادهم لما دفناهم ،ولكانوا باقين يأكلون ،ويشربون ؛ولكن الموت المطلق لم يقع منهم بدليل الإضراب الإبطالي في قوله تعالى:{بل أحياء} يعني: بل هم أحياء ؛ف{أحياء} خبر لمبتدأ محذوف ؛وهي جمع «حي » ؛والمراد: أحياء عند ربهم ،كما في أية آل عمران ؛وهي حياة برزخية لا نعلم كيفيتها ؛ولا تحتاج إلى أكل ،وشرب ،وهواء ،يقوم به الجسد ؛ولهذا قال تعالى:{ولكن لا تشعرون} أي لا تشعرون بحياتهم ؛لأنها حياة برزخية غيبية ؛ولولا أن الله عزّ وجلّ أخبرنا بها ما كنا نعلم بها .
الفوائد:
1- من فوائد الآية: النهي عن القول بأن الذين قتلوا في سبيل الله أموات ؛وهو يشمل القول بالقلب - وهو الاعتقاد ،والقول باللسان - وهو النطق .
2- ومنها: التنبيه على الإخلاص في القتال ؛لقوله تعالى:{في سبيل الله}؛وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ،ويقاتل حمية ،ويقاتل رياءً أيّ ذلك في سبيل الله ؟فقال ( ص ): «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله »{[214]} ؛وهذه مسألة مهمة ؛لأن كثيراً من الناس قد يقصد أن هذا جهاد ،فيخرج ؛لأنه جهاد وقتال لأعداء الله ؛لكن كونه يشعر بأن هذا في سبيل الله - أي في الطريق الموصل إلى الله أبلغ .
3- ومن فوائد الآية: إثبات حياة الشهداء ؛لكنها حياة برزخية لا تماثل حياة الدنيا ؛بل هي أجلّ ،وأعظم ،ولا تعلم كيفيتها .
4- ومنها: أن ثواب الله سبحانه وتعالى للعامل أجلُّ ،وأعلى ؛وذلك ؛لأن الشهيد عرض نفسه للموت ابتغاء ثواب الله ؛فأثابه الله ،حيث جعله حياً بعد موته حياة برزخية أكمل من حياة الدنيا ؛لقوله تعالى:{عند ربهم يرزقون} [ آل عمران: 169] .
5- ومنها: إثبات الحياة البرزخية ؛لقوله تعالى:{بل أحياء}؛وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا دفن الإنسان رد الله عليه روحه ،وجاءه ملكان يسألانه عن ربه ،ودينه ،ونبيه{[215]} .
6 ومنها: إثبات نعيم القبر ؛لقوله تعالى:{بل إحياء} .
7 ومنها: أن أحوال البرزخ ،وعالم الغيب غير معلومة لنا ،ولا نشعر بها إلا ما علمنا الله ورسوله .