حياة الشهداء
{وتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل أحياء ولكن لا تشعرون( 154 )}
المعنى الإجمالي:
ولن يؤدي الصبر إلا إلى الخير والسعادة في الدارين ،فلا تقعدوا عن الجهاد في سبيل الله ولا ترهبوا الموت فيه فمن مات في الجهاد فليس بميت بل هو حياة عالية وإن كان الأحياء لا يحسون بها .
التفسير:
{ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون} .
أي لا تقولواأيها المؤمنونلمن يقتل من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه أنهم أموات ،بمعنى أنهم تلفت نفوسهم وعدموا الحياة ،وتصرمت عنهم الذات ،وأضحوا كالجمادات كما يتبادر من معنى الموت .بل هم أحياء في عالم غير عالمكم كما قال تعالى:{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون( 169 ) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون( 170 ) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} ( آل عمران:169-171 ) .
وفي صحيح مسلم: «إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر ،تسرح في الجنة حيث شاءت ،ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ،فاطلع عليهم ربك إطلاعة فقال: ماذا تبغون ؟فقالوا: يا ربنا ،وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ثم عاد عليهم بمثل هذا ،فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا ،قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى ،لما يرون من ثواب الشهادة ،فيقول الربجل جلاله: «إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون »( 21 ) .
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك عن الزهري ،عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: «نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه » ( 22 ) ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضا ،وإن الشهداء قد خصصوا بالذكر تشريفا لهم وتكريما وتعظيما( 23 ) .
وحياة الشهداء عند ربهم حياة تكريم مصحوبة برزق من الله وفضل منه عليهم ،وعلينا أن نفوض كيفية هذه الحياة وكنهها إليه سبحانه ،لأنها حياة من نوع معين لا يعلمها إلا علام الغيوب .