{ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( البقرة:153 )
التفسير:
قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا}؛سبق أن الكلام إذا صدَّر بالنداء فهو دليل على الاهتمام به ؛لأن النداء يوجب التفات المخاطب إلى مناديه ؛وسبق بيان فوائد تصدير الخطاب بوصف الإيمان{[208]} .
قوله تعالى:{استعينوا بالصبر والصلاة} أي اجعلوا الصبر عوناً لكم ؛وكذلك استعينوا بالصلاة ؛وسبق الكلام على نظير هذه الجملة{[209]} .
قوله تعالى:{إن الله مع الصابرين}: هذه بشرى عظيمة لمن صبر ؛وقال تعالى:{مع الصابرين} لوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن الصلاة من الصبر ؛لأنها صبر على طاعة الله .
الوجه الثاني: أن الاستعانة بالصبر أشق من الصلاة ؛لأن الصبر مُرّ:
الصبر مثل اسمه مُرٌّ مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل فهو مرٌّ يكابده الإنسان ،ويعاني ،ويصابر ،ويتغير دمه حتى من يراه يقول: هذا مريض .
الوجه الثالث: أنه إذا كان مع الصابرين فهو مع المصلين من باب أولى بدليل أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان المصلي يناجي ربه ،وأن الله قِبل وجهه{[210]} - وهو على عرشه سبحانه وتعالى .
الفوائد:
1 من فوائد الآية: فضيلة الإيمان ،وأنه من أشرف أوصاف الإنسان ؛لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا ...} .
2 ومنها: الإرشاد إلى الاستعانة بالصلاة ؛لقوله تعالى:{استعينوا بالصبر والصلاة} .
3 ومنها: بيان الآثار الحميدة للصلاة ،وأن من آثارها الحميدة أنها تعين العبد في أموره .
4 ومنها: جواز الاستعانة بغير الله فيما يمكن أن يعين فيه ؛لقوله تعالى:{واستعينوا بالصبر والصلاة وجاء في الحديث: «وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها ،أو ترفع له عليها متاعه صدقة »{[211]} .
5 ومنها: أن الاستعانة بالصلاة من مقتضيات الإيمان ؛لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا استعينوا ...} إلخ .
6 ومنها: فضيلة الصبر ؛لأنه يعين على الأمور ؛والصبر ثقيل جداً على النفس ؛لأن الإنسان إذا أصابه ضيق ،أو بلاء ثقل عليه تحمله ،فاحتاج إلى الصبر ؛ولهذا قال الله تعالى للنبي ( ص ):{تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} [ هود: 49]؛فقال تعالى:{فاصبر} إشارة إلى أن هذا الوحي الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى صبر ،وتحمل ؛لأنه سيجد من ينازع ،ويضاد ؛ونظيره قوله تعالى:{إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} [ الإنسان: 23 ،24]؛إذاً الصبر شاق على النفوس ؛لكن يجب على الإنسان أن يصبر ؛ولهذا من لم يوفق للصبر فاته خير كثير ؛والذي يصبر أيضاً غالباً ينتظر الفرج لا سيما إذا صبر بإخلاص ،وحسن نية ؛وانتظار الفرج عبادة ،وباب للفرج ؛لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن النصر مع الصبر ؛وأن الفرج مع الكرب ؛وأن مع العسر يسراً »{[212]} ؛لأنه إذا كان منتظراً للفرج هان عليه الصبر ؛لأنه يؤمل أن الأمور ستزول ،وأن دوام الحال من المحال ؛فإذا كان يؤمل الأجر في الآخرة ،ويؤمل الفرج في الدنيا هان عليه الصبر كثيراً ؛وهذه لا شك من الخصال الحميدة التي جاء بها الإسلام ،ودليل على أن الأمور تسهل بالصبر ؛مهما بلغتك الأمور اصبر ،فتهون ؛ولهذا جعل الله الصبر عوناً .
7 ومن فوائد الآية: أن في الصبر تنشيطاً على الأعمال ،والثبات عليها ؛لقوله تعالى:{إن الله مع الصابرين}؛فإذا آمن الإنسان بأن الله معه ازداد نشاطاً ،وثباتاً ؛وكون الله سبحانه وتعالى مع الإنسان مسدداً له ،ومؤيداً له ،ومصبِّراً له ،لا شك أن هذه درجة عالية كل يريدها ؛ولهذا لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم يتناضلون قال: «ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً وأنا مع بني فلان ؛قال الآخرون: يا رسول الله ،إذا كنت معهم فلا نناضل ؛فقال: ارموا وأنا معكم كلكم »{[213]} .
8 ومن فوائد الآية: إثبات معية الله سبحانه وتعالى ؛ومعيته تعالى نوعان:
النوع الأول: عامة لجميع الخلق ،ومقتضاها الإحاطة بهم علماً ،وقدرة ،وسلطاناً ،وسمعاً ،وبصراً ،وغير ذلك من معاني ربوبيته ؛لقوله تعالى:{ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا} [ المجادلة: 7] .
والنوع الثاني: خاصة ؛ومقتضاها مع الإحاطة: النصر ،والتأييد ؛وهي نوعان: مقيدة بوصف ،كقوله تعالى:{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [ النحل: 128]؛و مقيدة بشخص ،كقوله تعالى لموسى ،وهارون:{إنني معكما أسمع وأرى} [ طه: 46] ،وقوله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [ التوبة: 40] .