لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر ، والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة ، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها ، أو في نقمة فيصبر عليها ; كما جاء في الحديث:"عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له:إن أصابته سراء ، فشكر ، كان خيرا له ; وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له ".
وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة ، كما تقدم في قوله:( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) [ البقرة:45] . وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى . والصبر صبران ، فصبر على ترك المحارم والمآثم ، وصبر على فعل الطاعات والقربات . والثاني أكثر ثوابا لأنه المقصود . كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:الصبر في بابين ، الصبر لله بما أحب ، وإن ثقل على الأنفس والأبدان ، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء . فمن كان هكذا ، فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم ، إن شاء الله .
وقال علي بن الحسين زين العابدين:إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد:أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال:فيقوم عنق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون:إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون:إلى الجنة . فيقولون:وقبل الحساب ؟ قالوا:نعم ، قالوا:ومن أنتم ؟ قالوا:الصابرون ، قالوا:وما كان صبركم ؟ قالوا:صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله . قالوا:أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين .
قلت:ويشهد لهذا قوله تعالى:( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [ الزمر:10] .
وقال سعيد بن جبير:الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه ، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر .