{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ( البقرة:190 )
التفسير:
قوله تعالى:{قاتلوا} فعل أمر ؛والمقاتلة مفاعلة من الجانبين ؛يعني اقتلوهم بمقاتلتهم إياكم ؛ولكن قال:{في سبيل الله} أي في دينه ،وشرعه ،ولأجله ؛فسبيل الله سبحانه وتعالى يتناول الدين ،وأن يكون القتال في حدود الدين ،وعلى الوجه المشروع ،ولله وحده ؛فهو يتضمن الإخلاص ،والمتابعة ؛ولهذا قدم المقاتَل من أجله قبل المقاتَل إشارة إلى أنه ينبغي الإخلاص في هذا القتال ؛لأنه ليس بالأمر الهين ؛فإن المقاتِل يَعرض رقبته لسيوف الأعداء ؛فإذا لم يكن مخلصاً لله خسر الدنيا والآخرة ولم تحصل له الشهادة ؛فنبه بتقديم المراد{في سبيل الله} ليكون قتاله مبنياً على الإخلاص .
قوله تعالى:{الذين يقاتلونكم} أي ليصدوكم عن دينكم ؛وهذا القيد للإغراء ؛لأن الإنسان إذا قيل له: «قاتل من يقاتلك » اشتدت عزيمته ،وقويت شكيمته ؛وعلى هذا فلا مفهوم لهذا القيد .
قوله تعالى:{ولا تعتدوا} أي في المقاتلة ؛والاعتداء في المقاتلة يشمل الاعتداء في حق الله ،والاعتداء في حق المقاتَلين ؛أما الاعتداء في حق الله فمثل أن نقاتلهم في وقت لا يحل القتال فيه ،مثل أن نقاتلهم في الأشهر الحرم على القول بأن تحريم القتال فيها غير منسوخ؛وأما في حق المقاتَلين فمثل أن نُمَثِّل بهم ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة{[304]} .
قوله تعالى:{إن الله لا يحب المعتدين}: الجملة هنا تعليل للحكم ؛والحكم: النهي عن الاعتداء .
وقوله تعالى:{المعتدين} أي في القتال ،وغيره ؛و «الاعتداء » تجاوز ما يحل له .
الفوائد:
1- من فوائد الآية: وجوب القتال ؛لقوله تعالى:{وقاتلوا}؛ووجوب أن يكون في سبيل الله - أي في شرعه ،ودينه ،ومن أجله - ؛لقوله تعالى:{في سبيل الله}؛وقد دل الكتاب والسنة على أنه إذا كان العدو من أهل الكتاب - اليهود ،والنصارى - فإنهم يدعون إلى الإسلام ؛فإن أبوا أخذت منهم الجزية ؛فإن أبوا قوتلوا ؛واختلف العلماء فيمن سواهم من الكفار: هل يعاملون معاملتهم ؛أو يقاتلون إلى أن يسلموا ؛والقول الراجح أنهم يعاملون معاملتهم ،كما يدل عليه حديث بريدة{[305]} الثابت في صحيح مسلم ؛وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر{[306]} - وهو يدل على أن أخذ الجزية ليس خاصاً بأهل الكتاب - .
2- ومنها: أنه ينبغي للمتكلم أن يذْكر للمخاطب ما يهيجه على الامتثال ؛لقوله تعالى:{الذين يقاتلونكم}؛هذا إذا قلنا: إنها قيد للتهييج ،والإغراء ؛فإن قلنا: «إنها قيد معنوي يراد به إخراج من لا يقاتلوننا » ،اختلف الحكم .
3- ومنها: تحريم الاعتداء حتى على الكفار ؛لقوله تعالى:{ولا تعتدوا}؛وعلى المسلمين من باب أولى ؛ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يبعثهم ،كالسرايا والجيوش: «لا تمثلوا ،ولا تغلوا ،ولا تغدروا ،ولا تقتلوا وليداً »{[307]} ؛لأن هذا من العدوان .
4- ومنها: إثبات محبة الله - أي أن الله يحب - ؛لقوله تعالى:{إن الله لا يحب المعتدين}؛وجه الدلالة: أنه لو كان لا يحب أبداً ما صح أن ينفي محبته عن المعتدين فقط ؛فما انتفت محبته عن هؤلاء إلا وهي ثابتة في حق غيرهم .
5- ومنها: حسن تعليم الله عز وجل ،حيث يقرن الحكم بالحكمة ؛لقوله تعالى:{ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}؛وقد سبق ذكر فوائد قرن الحكم بالعلة .