تشريع القتال في الخطوات الأولى:
في هذه الآيات ،يضع القرآن الخطوات الأولى لتشريع القتال في الإسلام ،ويثير أمامنا الفكرة التي يستند عليها هذا التشريع في بداياته .فقد كانت قريش هي البادئة بالقتال والعدوان على المسلمين ،فليس من الطبيعي أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمامها ،ينادون بالسلام والمحبة والعفو والمغفرة ،لأنَّ مثل هذه المفاهيم الروحية الأخلاقية لا يفهمها المعتدون الذين يحرّكون سيوفهم في هوى أطماعهم وشهواتهم وظلمات أنفسهم ،فلا بُدَّ من الحديث معهم باللغة التي يفهمونها جيداً ،من موقع الجوّ الذي يعيشونه في اعتبار القوّة أساساً للحقّ وللسيطرة .وكان الإسلام واقعياً في نظرته إلى طبيعة الموقف ،فأذن للمسلمين في القتال في سبيل اللّه لمن يقاتلهم .
] وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ[ فلم يأذن لهم أن ينطلقوا من موقع الثأر الشخصي الذي يستجيب للنوازع الذاتية ،التي قد تضعف وقد تقوى تبعاً للحالة النفسية التي تحكم الواقع الداخلي للإنسان ،بل أذن لهم أن يعتبروا الخطّ القتالي سائراً في سبيل اللّه ،لأنَّ هؤلاء يعملون على أساس إبعاد النّاس عن اللّه وعن سبيله ،ومجابهة المؤمنين به ،العاملين بطاعته ،وأرادهم أن لا يعتدوا ،بل أن يواجهوا الموقف بروحية الدفاع عن الحقّ وعن أصحابه ،ليكون الإسلام هو القوّة البديلة ،لأنَّ قوّته لا تمثّل خطراً على الحياة ،بل هي على العكس من ذلك تدفع الخطر عن القيم الأصيلة للإنسان ابتداءً من الحفاظ على وجوده الخيِّر إلى كل خطوة من خطواته العملية الخيِّرة في بناء الحياة .
] وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّه لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[ إنَّ الكافرين هم الذين بدأوا العدوان والقتال ،فليتحملوا نتائج أعمالهم وعدوانهم ،وليتحرّك المسلمون في اتجاه تهديم القوّة الطاغية ،وصنع القوّة البديلة من مواقع الحقّ ؛وليلاحقوهم حيث وجدوهم ،لأنَّ ذلك هو السبيل لإذلالهم وإضعافهم والسيطرة عليهم ...