{ ) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ( البقرة:202 )
التفسير:
قوله تعالى:{أولئك لهم نصيب مما كسبوا}: «أولاء » اسم إشارة ؛والمشار إليه فيه خلاف ؛فقال بعض العلماء: إن الإشارة تعود إلى مورد التقسيم كله ؛يعني: أولئك المذكورون الذين يقولون:{ربنا آتنا في الدنيا} [ البقرة: 201]؛والذين يقولون:{ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} [ البقرة: 201]؛ويكون كل له نصيب مما كسب ،كقوله تعالى:{ولكل درجات مما عملوا} [ الأنعام: 132]؛ولأنه تعالى قال:{والله سريع الحساب}؛وهذا يقتضي أن يكون المشار إليه كلا القسمين ؛وقال آخرون: بل إن الإشارة تعود إلى التقسيم الثاني الذين يقولون:{ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [ البقرة: 201]؛فهؤلاء لهم نصيب مما كسبوا ؛لقوله تعالى:{من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} [ النساء: 85]؛الآية إذاً محتملة للمعنيين ؛والثاني منهما أظهر ؛لأن الإشارة تعود إلى أقرب مذكور .
قوله تعالى:{والله سريع الحساب} أي محاسبة الله سبحانه وتعالى الخلائق ؛والسرعة هنا قد تكون سرعة الزمن ؛بمعنى: أن حساب الله قريب ،كما في قوله تعالى:{وما يدريك لعل الساعة قريب} [ الشورى: 17وقوله تعالى:{وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً} [ الأحزاب: 63]؛وقد يكون المراد سرعة محاسبة الله للخلقأي أن نفس حسابه سريع؛والثاني أبلغ ؛فإن الله عزّ وجلّ يحاسب الخلائق كلها في يوم واحد ،ويعطي كل إنسان ما يستحقه من ذلك الحساب ؛ومحاسبة الله للخلائق على نوعين ؛النوع الأول للمؤمنين ؛والنوع الثاني للكافرين ؛أما حساب المؤمنين فإن الله سبحانه وتعالى يخلو بعبده المؤمن ،ويقرره بذنوبه ،ويقول له: «عملت كذا في يوم كذا » حتى يقر ويعترف ،فيقول الله عزّ وجلّ له: «قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم »{[341]} ؛ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذب ؛فقالت عائشة: يا رسول الله ،أليس الله يقول:{فسوف يحاسب حساباً يسيراً} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك العرض »{[342]} ؛أي تعرض الأعمال على الشخص حتى يقر ؛فإذا أقر بها قال الله تعالى له: «سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم »؛وأما غير المؤمنين فإنهم لا يحاسبون كذلك ؛وإنما الأمر كما قال شيخ الإسلام: لا يحاسبون حساب من توزن حسناته ،وسيئاته ؛لأنهم لا حسنات لهم ؛ولكن تحصى أعمالهم ،وتحفظ ،فيوقفون عليها ،ويقررون بها ،ويخزون بها ؛يعني: وينادى عليهم على رؤوس الخلائق:{هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} [ هود: 18
الفوائد:
1من فوائد الآية: أن الثواب يكون بالعدل ؛لقوله تعالى:{أولئك لهم نصيب مما كسبوا}؛لكنه بالعدل في العقوبة ؛وبالفضل في المثوبة .
2ومنها: الرد على الجبرية ؛لقوله تعالى:{مما كسبوا} .
3ومنها: إثبات الحساب ؛لقوله تعالى:{والله سريع الحساب} .
4ومنها: تمام قدرة الله تعالى ؛لقوله تعالى:{والله سريع الحساب} .
5ومنها: إثبات علم الله ؛لأن المحاسِب لا بد أن يكون لديه علم يقابل به من يحاسبه .