{ )وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ( البقرة:203 )
التفسير:
قوله تعالى:{واذكروا الله في أيام معدودات}؛لما ذكر الله - تبارك وتعالى - أفعال الحج ذكر ما بعد انتهاء أفعال الحج ؛وهو ذكر الله تعالى في أيام معدودات ؛وهي أيام التشريق الثلاثة: الحادي عشر ؛والثاني عشر ؛والثالث عشر من شهر ذي الحجة ؛والذكر هنا يشمل كل ما يتقرب به إلى الله عزّ وجلّ من قول أو فعل في هذه الأيام ؛فيشمل التكبير في تلك الأيام مطلقاً ،ومقيداً ؛والنحر من الضحايا ،والهدايا ؛ورمي الجمار ؛والطواف ،والسعي إذا وقعا في هذه الأيام ؛بل والصلاة المفروضة ،والتطوع ؛وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الطواف بالبيت ،وبالصفا ،والمروة ،ورمي الجمار لإقامة ذكر الله »{[343]} ،وقال ( ص ): «أيام التشريق أيام أكل ،وشرب ،وذكر لله عزّ وجلّ »{[344]} .
قوله تعالى:{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} أي من تعجل قبل تمام الأيام الثلاثة ،وأنهى حجه فلا إثم عليه .
قوله تعالى:{ومن تأخر فلا إثم عليه} ،أي من تأخر إلى اليوم الثالث في منى لرمي الجمرات فلا إثم عليه .
قوله تعالى:{لمن اتقى}: الظاهر أنها قيد للأمرين جميعاً للتعجل والتأخر ،بحيث يحمل الإنسان تقوى الله عزّ وجلّ على التعجل أو التأخر .
قوله تعالى:{واتقوا الله}: ما أكثر ما يأمر الله سبحانه وتعالى بالتقوى في كتابه العزيز ؛لأن التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله عزّ وجلّ بفعل أوامره ،واجتناب نواهيه على علم وبصيرة .
قوله تعالى:{واعلموا أنكم إليه تحشرون} أي تجمعون إلى الله - تبارك وتعالى ؛وذلك يوم القيامة ؛وصدر هذا بقوله تعالى:{واعلموا} للتنبيه على أنه لا بد من الإيمان بهذا الحشر ،والاستعداد له .
الفوائد:
1من فوائد الآية: مزية الذكر في هذه الأيام المعدودات ؛لقوله تعالى:{واذكروا الله في أيام معدودات}؛لأن ذكر الله على سبيل العموم في كل الوقت ؛لكن هذا على سبيل الخصوص .
2ومنها: أنه يجوز في هذه الأيام الثلاثة التعجل ،والتأخر ؛لقوله تعالى:{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} .
3ومنها: سعة فضل الله عزّ وجلّ ،وتيسيره في أحكامه ،حيث جعل الإنسان مخيراً أن يبقى ثلاثة أيام ،أو يتعجل في اليومين .
4ومنها: أنّه لا بد أن يكون خروجه من منى قبل أن تغرب الشمس ؛لأن{في} للظرفية ؛والظرف يحيط بالمظروف ؛فلا بد أن يكون التعجل في خلال اليومين بعد الرمي الواقع بعد الزوال .
5ومنها: أنه لا يجوز التعجل في اليوم الحادي عشر ؛لأنه لو تعجل في اليوم الحادي عشر لكان تعجل في يوم لا في يومين ؛فكثير من العامة يظنون أن المراد باليومين: يوم العيد ،واليوم الحادي عشر ؛وهذا ليس بصحيح ؛لأن الله تعالى قال:{واذكروا الله في أيام معدودات}؛وهي أيام التشريق ؛وأيام التشريق إنما تبتدئ من الحادي عشر .
6ومنها: أن الأعمال المخير فيها إنما ينتفي الإثم عنها إذا فعلها الإنسان على سبيل التقوى لله عزّ وجلّ دون التهاون بأوامره ؛لقوله تعالى:{لمن اتقى}؛فمن فعل ما يخير فيه على سبيل التقوى لله عزّ وجلّ والأخذ بتيسيره فهذا لا إثم عليه ؛وأما من فعلها على سبيل التهاون ،وعدم المبالاة فإن عليه الإثم بترك التقوى ،وتهاونه بأوامر الله .
تنبيه:
لا يستفاد من الآية جواز التأخر إلى اليوم الرابع عشر ،والخامس عشر مع أن الله تعالى أطلق:{ ...ومن تأخر}؛لأن أصل الذكر في أيام معدودات ؛وهي ثلاثة أيام ؛فيكون المعنى ؛من تأخر في هذه الأيام المعدودات ؛وهي الأيام الثلاثة .
7ومنها: وجوب التقوى ؛لقوله تعالى:{واتقوا الله} .
8ومنها: إثبات البعث ؛لقوله تعالى:{واعلموا أنكم إليه تحشرون} .
9ومنها: قرن المواعظ بالتخويف ؛لقوله تعالى:{واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون}؛لأن الإنسان إذا علم أنه سيحشر إلى الله عزّ وجلّ ،وأنه سيجازيه فإنه سوف يتقي الله ،ويقوم بما أوجب الله ،ويترك ما نهى الله عنه ؛وبهذا عرفنا الحكمة من كون الله عزّ وجلّ يقرن الإيمان باليوم الآخر في كثير من الآيات بالإيمان بالله دون بقية الأركان التي يؤمن بها ؛وذلك ؛لأن الإيمان باليوم الآخر يستلزم العمل لذلك اليوم ؛وهو القيام بطاعة الله ورسوله .