] وَاذْكُرُواْ اللّه فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ[،الظاهر أنَّ الأيام المعدودات هي أيام التشريق من ذي الحجة ،وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر منه ،وهي التي فرض فيها المبيت في منى ،] فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ[،بأن ينفر في اليوم الثاني عشر ،] وَمن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ[،كما لا مانع من البقاء إلى اليوم الثالث عشر .وليس في الآية ما يدل على شرط البقاء أو شرط التخيير ،أمّا كلمة] لِمَنِ اتَّقَى[ فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق ( ع ) في هذه الآية: قال: «يرجع مغفوراً له لا ذنب له » ،وفي حديث آخر عن الباقر ( ع ):] لِمَنِ اتَّقَى[ منهم الصيد ،واتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرّم اللّه عليه في إحرامه » ،وبذلك يكون هذا التخصيص بمن اتقى بلحاظ حالة المغفرة المستفادة من سياق الكلام .
] وَاتَّقُواْ اللّه[.وعادت الآية من جديد للدعوة إلى التقوى بقول مطلق في جميع أعمال الإنسان في حال الحج وغيره ،والتأكيد على ذلك بالإعلام بالحقيقة الإيمانية ،] وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ[.
فإنَّ الخلق كلّهم يحشرون إلى اللّه ،ليواجهوا جزاء أعمالهم من خير أو شر .فإنَّ استثارة هذه الحقيقة في وعي الإنسان يعتبر عاملاً كبيراً في تنمية روح التقوى في نفسه وحياته .
ولعلّ البقاء في منى هذه الأيام أو الليالي بعد انتهاء أعمال الحج يعتبر انطلاقة روحية تأمّلية ،يعيش فيها الإنسان حضور اللّه في نفسه بما يثيره من ذكر ،وبما يهجس فيه من فكر ،وبما يعيشه من تأمّلات ،وذلك في عملية مراجعة لحسابات أعماله في الماضي والحاضر في طريق تنمية أعمال المستقبل ،وليحصل له من خلال ذلك النتائج الروحية والعملية من خلال أفعال الحج عندما يستحضرها في نفسه في عملية تقويم تفصيلية يدرك فيها طبيعة هذه الأفعال في ما أخلص فيه ،وما أتمّه منها وما قصّر فيه ،ليرجع من حجه واثقاً بالنتائج الكبيرة على مستوى الإيمان في الدنيا والآخرة ،ونعم أجر العاملين .