[ أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب] في هذا بيان لجزاء الذين يتجهون إلى ربهم داعين أن يوفقهم لما فيه حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة ، ويقيهم عذاب النار . والإشارة للبعيد لبيان علو منزلتهم ، وقد بين أن الجزاء هو نصيبهم مما كسبوه من عمل الخير والقيام بالحق الواجب عليهم ، وفي هذا التعبير الذي يفيد أن النصيب مأخوذ مما كسبوه من أعمال إشارة إلى أمور ثلاثة:
أولها:إن هؤلاء الذين دعوا ربهم بالتوفيق لابد أن يقرن دعاؤهم بإرادة قوية عاملة متجهة إلى تحقيق ما يبغون وما يدعون الله سبحانه وتعالى في التوفيق له ، وإن لم يكن عمل فالدعاء أمان وأحلام ، ولا يتحقق فيها القصد الكامل والضراعة الخاشعة لرب العالمين ، لأن الدعاء مخ العبادة ، فإن كان صادقا فالإرادة تتجه نحوه .
الأمر الثاني:الذي يشير إليه التعبير الكريم:أن الجزاء ليس على الدعاء ، وإنما الجزاء على العمل ، فيجب أن يعملوا ، فليس الدعاء وحده بمستحق جزاء إن كان العمل ينافيه .
الأمر الثالث:أن كسب العبد لعمل الخير يطوي في ثناياه جزاءه ، وكذلك كل عمل الإنسان جزاؤه مشتق من منهاجه ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، فمن أسدى للناس معروفا ، فقد قدم بهذا الإسداء لنفسه ، ومن أعان مكروبا ، فقد كسب الجزاء ساعة عمل ، وكذلك من قتل نفسا ، فقد قتل نفسه إذ استحق ذلك الجزاء ، ومن سرق فقد قطع يده ، ومن زنى فقد رجم نفسه ،و هكذا [ كل امرئ بما كسب رهين] ( الطور ) .
و قد ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بقوله الكريم:[ و الله سريع الحساب] وسرعة حسابه سبحانه وتعالى كناية عن تحقيقه ، وتحقق يوم القيامة وقربه ، وعلمه سبحانه وتعالى بإحسان المحسن وإساءة المسيء ،لأن تطويل الحساب يكون من جهل المحاسب ، فيبطئ ليعرف ، فإذا كان المحاسب هو العليم الحكيم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فإن حسابه يكون سريعا ، إذ لا تخفى عليه سبحانه خافية .
و في هذا التذييل إشارة إلى عقاب الذين ليس لهم في الآخرة من خلاق على ما يرتكبون من موبقات ما داموا قد جعلوا الدنيا كل همهم ، وغاية أمرهم ، ومقصد وجودهم .