)قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ) ( البقرة:263 )
التفسير:
قوله تعالى:{قول} مبتدأ ؛و{خير} خبره ؛وساغ الابتداء به هنا وهو نكرة ؛لأنه وصف ؛وإن شئت فقل: لأنه أفاد ؛وطريق إفادته الوصف ؛وإذا عللت بأنه أفاد صار أحسن ؛لأنه أعم .
قوله تعالى:{قول معروف} أي ما نطق به اللسان معروفاً في الشرع ،ومعروفاً في العرف .
قوله تعالى:{ومغفرة} أي: مغفرة الإنسان لمن أساء إليه ؛قال تعالى:{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [ الشورى: 43]؛القول المعروف إحسان ؛والمغفرة إحسان ؛ولكن الفرق بينهما أن «القول المعروف » إسداء المعروف القولي إلى الغير ؛و «المغفرة » تسامح الإنسان عن حقه في جانب غيره .
قوله تعالى:{خير من صدقة يتبعها أذى}؛«الصدقة » بذل الإحسان المالي ؛الإنسان قد ينتفع بالمال أكثر مما ينتفع بالكلمة ؛وقد ينتفع بالكلمة أكثر مما ينتفع بالمال ؛لكن لا شك أن القول المعروف خير من الصدقة التي يتبعها أذى - وإن نفعت ؛لأنك لو تعطي هذا الرجل ما تعطيه من المال صدقة لله عز وجل ،ثم تتبعها الأذى ؛فإن هذا الإحسان صار في الحقيقة إساءة - وإن كان هذا قد ينتفع به في حاجاته - لكن هو في الحقيقة إساءة له .
قوله تعالى:{والله غني} أي عن غيره ؛فهو سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أحد ؛وكل من في السموات والأرض فإنه محتاج إلى الله تعالى ؛هو غني بذاته عن جميع مخلوقاته ؛فله الغنى المطلق من جميع الوجوه .
قوله تعالى:{حليم}؛«الحلم » تأخير العقوبة عن مستحقها ؛قال ابن القيم في النونية:
وهو الحليم فلا يعاجل عبده بعقوبته ليتوب من عصيان وجمع الله في هذه الآية بين «الغِنى » و «الحِلم »؛لأن الآية في سياق الصدقة ،فبين عز وجل أن الصدقات لا تنفع الله ؛وإنما تنفع من يتصدق ؛والآية أيضاً في سياق من أتبع الصدقة أذى ومِنّة ؛وهذا حري بأن يعاجَل بالعقوبة ،حيث آذى هذا الرجل الذي أعطاه المال لله ؛ولكن الله حليم يحلم على عبده لعله يتوب من المعصية .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: فضيلة القول المعروف ؛لقوله تعالى:{قول معروف ومغفرة خير من صدقة ...}؛و «القول المعروف » كل ما عرفه الشرع ،والعادة ؛مثال ذلك: أن يأتي رجل يسأل مالاً بحاله ،أو قاله ؛فكلمه المسؤول ،وقال: ليس عندي شيء ،وسيرزق الله ،وإذا جاء شيء فإننا نجعلك على البال ،وما أشبه ذلك ؛فهذا قول معروف ليِّن ،وهيِّن .
2 - ومنها: الحث على المغفرة لمن أساء إليك ؛لكن هذا الحث مقيد بما إذا كانت المغفرة إصلاحاً ؛لقوله تعالى:{فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [ الشورى: 40]؛أما إذا لم تكن المغفرة إصلاحاً ،مثل أن أغفر لهذا الجاني ،ثم يذهب ،ويسيء إلى الآخرين ،أو يكرر الإساءة إليَّ ،فإن الغفر هنا غير مطلوب .
3 - ومنها: أن الأعمال الصالحة تتفاضل ،ويلزم من تفاضلها تفاضل العامل ،وزيادة الإيمان ،أو نقصانه .
4 - ومنها: إثبات اسمين من أسماء الله ؛وهما «الغني » و «الحليم »؛وإثبات ما دلا عليه من الصفات .
5 - ومنها: المناسبة في ختم هذه الآية الكريمة بهذين الاسمين ؛لأن في الآية إنفاقاً ؛وإذا كان الله عز وجل هو الذي يخلِف هذا الإنفاق فإنه لكمال غناه ؛كذلك المغفرة عمن أساء إليك: فإن المغفرة تتضمن الحلم ،وزيادة ؛فختم الله الآية بالحلم ؛وقد يقال: إن فيه مناسبة أخرى ؛وهي أن المن بالصدقة كبيرة من كبائر الذنوب ؛والله سبحانه وتعالى حليم على أهل الكبائر ؛إذ لو يؤاخذ الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ،والله أعلم .