ثم قال تعالى:{ قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} ، فأخبر سبحانه أن القول المعروف ( وهو الذي تعرفه القلوب ولا تنكره ) والمغفرة ( وهي العفو عمن أساء إليك ) خير من الصدقة بالأذى . فالقول المعروف إحسان . وصدقة بالقول والمغفرة إحسان بترك المؤاخذة والمقابلة فهما نوعان من أنواع الإحسان .
والصدقة المقرونة بالأذى حسنة مقرونة بما يبطلها ولا ريب أن حسنتين خير من حسنة باطلة .
[ ويدخل في هذا:القول المعروف ، والرد الجميل عى السائل ، والعدة الحسنة ، والدعاء الصالح ، ونحو ذلك] .
ويدخل في المغفرة:مغفرته للسائل إذا وجد منه بعض الجفوة والأذى له بسبب رده فيكون عفوه عنه خيرا من أن يتصدق عليه ويؤذيه . هذا على المشهور من القولين في الآية .
والقول الثاني:أن المغفرة من الله ، أي:مغفرة لكم من الله بسبب القول المعروف والرد الجميل خير من صدقة يتبعها أذى .
وفيها قول ثالث:أي مغفرة وعفو من السائل إذا رد وتعذر المسئول خير من
أن ينال بنفسه صدقة يتبعها أذى .
وأوضح الأقوال:هو الأول ، ويليه الثاني ، والثالث ضعيف جدا ، لأن الخطاب إنما هو للمنفق المسئول لا للسائل الآخذ .
والمعنى:أن قول المعروف له ، والتجاوز والعفو خير لك من أن تتصدق عليه وتؤذيه ، ثم ختم الآية بصفتين مناسبتين لما تضمنته فقال:{ والله غني حليم} [ البقرة:263] .
وفيه معنيان:
أحدهما:إن الله غني عنكم لن يناله شيء من صدقاتكم وإنما الحظ الأوفر لكم في الصدقة فنفعها عائد عليكم لا إليه سبحانه وتعالى ، فكيف يمن بنفقته ويؤذي مع غنى الله التام عنها وعن كل ما سواه ، ومع هذا فهو حليم إذ لم يعاجل المان بالعقوبة وفي ضمن هذا:الوعيد والتحذير .
والمعنى الثاني:أنه سبحانه وتعالى مع غناه التام من كل وجه فهو الموصوف بالحلم والتجاوز ، والصفح مع عطائه الواسع وصدقاته العميمة ، فكيف يؤذي أحدكم بمنه ، وأذاه مع قلة ما يعطي ونزارته وفقره .