[ قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم] في هذه الآية الكريمة يبين سبحانه منزلة قول المعروف ، وكيف يذهب الأذى بخير الصدقة الفردية ، وأن الحرمان فيها مع قول الخير خير من الصدقة مع الأذى بالمن أو غيره ، وأن ألم الحرمان أقل من أذى القول ؛ لأنه أذى يصيب النفس بالجراح ، وجراح النفس ليس لها التئام ، أما ألم الحرمان فيذهبه الصبر ، ووراء الصبر الفرج القريب ، وإن الله مع الصابرين .
و قول المعروف هو الرد الجميل لطالب العطاء ، وذلك بتأنيسه ، وترجية الخير له ، وإن هذا في ذاته صدقة ، ولقد قال صلى الله عليه وسلم:"الكلمة الطيبة صدقة ، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق "{[373]} . ولقد قال بعض الحكماء:( الق صاحب الحاجة بالبشر ، فإن عدمت شكره لم تعدم عذره ) .
و إنه ظاهر من هذا أن قول المعروف يكون لصاحب المصلحة الشخصية الذي يطلب من المنفق مباشرة . ولقد ذكر الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده أن قول المعروف يكون أيضا عندما يكون الإنفاق في المصلحة العامة ، وإنه يكون كفاءها ، ومساويا لها ، وخيرا من الصدقة التي يتبعها أذى ، وذلك بالتحريض على العمل ، وعلى الإنتاج ، وعلى الإعطاء ، ويكون بالدعوة إلى كل ما فيه رفعة الأمة وتقوية عناصرها والتعاون بين آحادها ، وإن ذلك بلا ريب فضله لا يقل عن الإنفاق من غير منّ ، ويزيد عن الإنفاق مع المن والأذى .
و المغفرة معناها الستر أو العفو ، والمراد:إما الستر من المطلوب منه العطاء ، وعفوه ، وذلك بأن يستر خلة المحتاج ولا يعلن سوء حاله ، ويجعلها موضع حديثه ، ويعفو عنه إذا أغلط أو جفا ، أو أثقل في السؤال ، وألحف في المسألة ، وإما أن نقول إن المغفرة هي مغفرة الله سبحانه وتعالى للمسئول إذا لم يعط من غير شح ولا بخل .
و المعنى على هذا التخريج:إن قول المعروف مع مغفرة الله سبحانه وتعالى خير من الصدقة يتبعها الأذى . والوجه الأول أظهر وأبين ، وهو المتفق مع سياق القول .
و قد ختم الله سبحانه الآية بقوله تعالى:[ والله غني حليم] لإثبات أن الذين يعطون إنما يقصدون وجه الله بعطائهم لينفعوا عباده ، فإذا لم يقصدوا وجهه تبارك وتعالى ، ويطلبوا رضوانه ، فإنه غني عنهم ، وهو بغناه الذي يعلو فوق كل تقدير يستطيع أن يجعل الفقير غنيا يعطي ، والغني فقيرا يسأل ، فالمال مال الله ، وهو غاد ورائح ، والله سبحانه وتعالى حليم ، وعلى الناس أن يتخلقوا بأخلاق الله تعالى ، ولله المثل الأعلى ، وليس كمثله شيء ، فلا يصح أن يدفعهم حمقهم لأن يقولوا للفقير ما يؤلم ، أو للقائم بالمصلحة العامة التي أنفقوا في سبيلها ما يثبط همته ، وينهنه من عزيمته . وفي ذكر هذا الوصف الكريم في هذا المقام إشعار بأن المن والأذى ذنب كبير يستحق العقاب ، ولكن لحلم الله تعالى ، ولأن رحمته سبقت عذابه أمهل ولم يهمل .