قوله تعالى:{ثم بعثناكم من بعد موتكم}: أصل"البعث "في اللغة الإخراج ؛ويطلق على الإحياء ،كما هذه الآية ؛ويدل على أن المراد به الإحياء هنا قوله تعالى:{من بعد موتكم}؛وهو موت حقيقي ،وليس نوماً ،لأن النوم يسمى وفاة ؛ولا يسمى موتاً ،كما في قوله تعالى:{وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} [ الأنعام: 60] ،وقوله تعالى:{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} [ الزمر: 42]
وقوله تعالى:{بعثناكم من بعد موتكم}: هذه نعمة كبيرة عليهم أن الله تعالى أخذهم بهذه العقوبة ،ثم بعثهم ليرتدعوا ؛ويكون كفارة لهم ؛ولهذا قال تعالى:{لعلكم تشكرون} أي تشكرون الله سبحانه وتعالى ؛و"لعل "هنا للتعليل ..
وهذه إحدى الآية الخمس التي في سورة البقرة التي فيها إحياء الله تعالى الموتى ؛والثانية: في قصة صاحب البقرة ؛والثالثة: في الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ،فقال الله لهم:{موتوا ثم أحياهم} [ البقرة: 243]؛والرابعة: في قصة الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها ،فقال:{أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه} [ البقرة: 259]؛والخامسة في قصة إبراهيم:{رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ...} [ البقرة: 260] الآية ؛والله تعالى على كل شيء قدير ،ولا ينافي هذا ما ذكر الله في قوله تعالى:{ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} [ المؤمنون: 15 ،16]؛لأن هذه القصص الخمس ،وغيرها .كإخراج عيسى الموتى من قبورهم .تعتبر أمراً عارضاً يؤتى به لآية من آيات الله سبحانه وتعالى ؛أما البعث العام فإنه لا يكون إلا يوم القيامة ؛ولهذا نقول في شبهة الذين أنكروا البعث من المشركين ،ويقولون:{متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [ الأنبياء: 38] ،ويقولون:{فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} [ الدخان: 36] نقول: إن هؤلاء مموهون ؛فالرسل لم تقل لهم: إنكم تبعثون الآن ؛بل يوم القيامة ؛ولينتظروا ،فسيكون هذا بلا ريب ..
/خ56