{ ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون 56} .
وقوله تعالى:{ ثم بعثناكم من بعد موتكم} قال الراغب الأصبهانيّ في ( تفسيره ):البعث إرسال المبعوث من المكان الذي فيه .لكن فرق بين تفاسيره بحسب اختلاف المعلق به ،فقيل:بعثت البعير من مبركه أي أثرته .وبعثته في السير أي هيجته ،وبعث الله الميت أحياه .وضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال .وكل ذلك واحد في الحقيقة ،وإنما اختلف لاختلاف صور المبعوثات ( ثم قال ) والموت حُمِلَ على المعروف ،وحُمِلَ أيضا على الأحوال الشاقة الجارية مجرى / الموت ،وليس يقتضي قوله:{ فأخذتكم الصاعقة} أنهم ماتوا .ألا ترى إلى قوله:{ فخرّ موسى صعقا} لكن الآية تحتمل الأمرين ،وحقيقة ما كان إنما يعتمد فيها على السمع المعتدي عن الاحتمالات .انتهى .وقد يؤيد الثاني آية الأعراف المذكورة وهي{ واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا * فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي}{[3]} فالرجفة هي المسماة بالصاعقة هنا ،والتنزيل يفسر بعضه بعضا ،والأصل توافق الآي .وقد ذكر ابن إسحق والسديّ أن الذين أخذتهم الرجفة هم الذين سألوا موسى رؤية الله جهرة ،وسيأتي في الأعراف بسط ذلك إن شاء الله .
دلت الآية على أن طلب رؤيته تعالى في الدنيا مستنكر غير جائز ،ولذا لم يذكر ،سبحانه وتعالى ،سؤال الرؤية إلا استعظمه .وذلك في آيات .منها هذه .ومنها قوله تعالى:{ يسألك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتابا من السماء * فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم}{[4]} ومنها قوله تعالى:{ وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا * لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا}{[5]} فدلت هذه التهويلات الفظيعة الواردة لطالبيها في الدنيا على امتناعها فيها .وكما أخبر تعالى بأنه لا يرى في الدنيا فقد وعد الوعد الصادق عز وجل برؤيته في الدار الآخرة في آيات عديدة ،كما تواترت الأحاديث الصحيحة بذلك ،وهي قطيعة الدلالة .لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة وزعموا أن العقل قد حكم بها .