)وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ( البقرة:67 (
التفسير:
قوله تعالى:{وإذ قال موسى لقومه} أي واذكروا يا بني إسرائيل إذ قال موسى لقومه ،وإضافة"القوم "إليه لبيان أنه عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يقول لهم إلا ما فيه خير ؛لأن الإنسان سوف ينصح لقومه أكثر مما ينصح لغيرهم ..
قوله تعالى:{إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}: قالها في جواب ذكره الله سبحانه وتعالى في أثناء القصة:
{وإذ قتلتم نفساً فادَّارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون} [ البقرة: 72]؛فقد قُتل منهم نفس فتخاصموا ،وتدافعوا: كل يدعي أن هؤلاء قتلوه ؛حتى كادت تثور الفتنة بينهم ؛ولا حاجة بنا إلى أن نعلل لماذا قتل ؛أو لأي غرض ؛هذا ليس من الأمور التي تهمنا ؛لأن القرآن لم يتكلم بها ؛ولكن غاية ما يكون أن نأخذ عن بني إسرائيل ما لا يكون فيه قدح في القرآن ،أو تكذيب له ،فقالوا: لا حاجة إلى أن نتقاتل ،ويُذهب بعضنا بعضاً ؛نذهب إلى نبي الله موسى ،ويخبرنا من الذي قتله ؛فذهبوا إليه ،فقال لهم:{إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} صدَّر الأمر من الله ؛لم يقل: آمركم ،ولا قال: اذبحوا ؛بل قال:{إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}؛ليكون أعظم وقعاً في نفوسهم ،وأدعى إلى قبوله ،وامتثاله ..
وقوله{بقرة}: لم تعين بوصف ؛فلو ذبحوا أيّ بقرة كانت لكانوا ممتثلين ؛ولكنهم تعنتوا ،وتشددوا فشدد الله عليهم .كما سيأتي ..
قوله تعالى:{أتتخذنا هزواً}؛{هزواً} مصدر بمعنى اسم المفعول ؛أي أتتخذنا مهزوءاً بنا ؛ويجوز أن تكون ( هزواً ) على بابها ؛ويكون المعنى: أتتخذنا ذوي هُزْء ؛فحُذف المضاف ،وأقيم المضاف إليه مقامه ؛ "والهزء "السخرية ؛وإنما قالوا ذلك لاستبعادهم أن يكون ذبح البقرة سبباً لزوال ما بينهم من المدارأة ؛والتعبير بقولهم:{أتتخذنا هزواً} أبلغ من قول"أتستهزئ بنا "؛لأن الأولى تفيد أنهم جُعلوا محل استهزاء .بخلاف الثانية فإنما تدل على حصول الاستهزاء .ولو بمرة واحدة ..
فأجابهم نبي الله بقوله:{أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} أي أعتصم بالله أن أكون من أولي الجهل فأتخذ عباد الله هزواً ؛والمراد ب"الجهل "هنا السفه ،كما في قوله تعالى:{إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} [ النساء: 17] .أي بسفاهة .{ثم يتوبون من قريب} [ النساء: 17] ..
/خ73