فأجابهم على هذا:{قال}: أي موسى{إنه يقول} أي الله عزّ وجلّ{إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلَّمة لا شية فيها}: هذا أيضاً تشديد زيادة على ما سبق ؛و{ذلول} على وزن فَعول ؛وهي المتذللة التي ذللت لصاحبها ؛و"والمذللة "هي التي تثير الأرض للزرع ؛و{لا تسقي الحرث} أي لا يُسنَى عليها ؛فهي ليست سانية ،ولا حارثة ؛و{مسلمة} أي من العيوب ؛{لا شية فيها} أي ليس فيها لون يخالف لونها ؛مأخوذ من وشي الثوب .وهو تلوينه بألوان مختلفة ،مثل عِدَة مأخوذة من الوعد ؛إذاً هي صفراء ليس فيها سواد ،ولا فيها بياض ،ولا فيها أي لون آخر ؛وهذا كله من زيادة التشديد عليهم ..
وبهذا التقرير نعرف أنه لا حاجة بنا إلى ما ذكره كثير من المفسرين من الإسرائيليات من أن هذه البقرة كانت عند رجل بارّ بأمه ،وأنهم اشتروها منه بملء مَسكها ذهباً .يعني بملء جلدها ذهباً ؛وهذا من الإسرائيليات التي لا تصدق ،ولا تكذب ،ولكن ظاهر القرآن هنا يدل على كذبها ؛إذ لو كان واقعاً لكان نقله من الأهمية بمكان لما فيه من الحث على برّ الوالدين حتى نعتبر ؛فالصواب أن نقول في تفسير الآية ما قال الله عزّ وجلّ ،ولا نتعرض للأمور التي ذكرها المفسرون هنا من الحكايات ..
قوله تعالى:{قالوا الآن جئت بالحق}؛{الآن} اسم زمان يُشار به للوقت الحاضر ؛فمقتضى كلامهم أنه أولاً أتى بالباطل ،وقد صدّروا هذه القصة بقولهم{أتتخذنا هزواً}؛يعني الآن عرفنا أنك لست تستهزئ ؛وإنما أنت صادق ؛هذا هو المتبادر من الآية الكريمة ،وليس بغريب على تعنتهم أن يقولوا مثل هذا القول ؛وقال بعض المفسرين اتقاءً لهذا المعنى البشع: إن المراد بقولهم:{بالحق} أي بالبيان التام .أي الآن بينت لنا أوصافها ،فجعلوا"الحق "هنا بمعنى البيان ؛ولكن الصواب أن"الحق "هنا ضد الهزء ،والباطل ؛يدل على ذلك أنهم صدروا هذه القصة بقولهم:{أتتخذنا هزواً}؛فبعد هذه المناقشات مع موسى ،والسؤالات ،وطلب الله عزّ وجلّ قالوا: الآن جئت بالحق ،وعرفنا أنك لست مستهزئاً بنا ؛بل إنك جادّ فيما تقول ..
قوله تعالى:{فذبحوها} أي بعد العثور عليها بأوصافها السابقة ؛{وما كادوا يفعلون} أي ما قاربوا أن يفعلوا ؛وذلك بإيرادهم الطلب عن سنها ،ولونها ،وعملها ،وهذا تباطؤ يبعدهم من الفعل ؛لكنهم فعلوا ؛لقوله تعالى: ( فذبحوها ) .
/خ73