ولكن عدل في الإجابة إلى الأسلوب الحكيم ، وهو بيان أنها ليست ذلولا معدة لحراثة ولا لسقاية الزرع ، بل هي فارغة عن عمل ؛ ولذا قال موسى في الرد:{ إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها} .
أوصاف يشترط وجودها ليكون ذبحها سائغا جائزا:
أولها:أنها ليست ذلولا أي ليست مذللة لعمل معين بل هي مطلقة ترعى في الكلأ لا رقابة عليها ولا سلطان لأحد .
وثانيها:أنها لم تعد لحرث الأرض وإثارتها ليرمى فيها الزرع .
وثالثها:أنها لا تسقي الزرع فلا تدير ساقية تسقي الزرع .
والوصف الرابع:أنها مسلمة ، أي سليمة من العرج ، ومن كل ما يشوب جسمها من شوائب المرض ، ومسلمة اسم مفعول من سلم ، أي أن الله تعالى سلمها من كل العيوب الجسمية ، فلا بها عرج ، ولا عور ، ولا أي عيب جسمي .
والوصف الخامس:أنه لا شية فيها ، أي ليس فيها لون يخالف لونها الذي يعم كل أجزائها ، والشية أصلها وشية حذفت فاؤها ، لأنها وصلة ، والشية مأخوذة من وشى الثوب إذا نسج على لونين مختلفين .
ونرى أن هذه الأوصاف في البقرة تشبه الأوصاف التي كان يذكرها قدماء المصريين في العجل الذين يعبدونه ، فأتى الله سبحانه وتعالى بأوصافه لتبين أنهم خلصوا من نفوسهم كل أوهام المصريين في البقرة .
وقد يقال:إنه كان عجلا ، ولم يكن بقرة ، فنقول:إن بقرة مفرد لاسم جنس جمعي هو البقر ، ويراد به الذكور والإناث ، وإن طلب ذبح بقرة تتشابه في أوصافها مع أوصاف العجل الذي توهموا أنه يستحق أن يعبد ، فيه اختبار شديد لهم ، وحمل لهم على أن يخلعوا كل أوهام المصريين التي سرت إلى نفوسهم .
ولقد قال تعالى من بعد ذلك:{ فذبحوها} أي قاموا بذبحها{ وما كادوا يفعلون} لكثرة لجاجتهم ، ومراوغتهم وجدلهم ، ولكن الله سبحانه وتعالى راضهم على ذلك حتى فعلوا كارهين غير راضين .