قوله: (قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث) يأتي البيان الرباني ليصف البقرة بانها (لا ذلول) وذلول خبر مرفوع لمبتدأ محذوف وتقدير الجملة لا هي ذلول ،وكذلك (تسقي الحرث)جملة فعلية في محل رفع خبر مبتدأ محذوف ،وتقدير الجملة ولا هي تسقي الحرث ،أما الذلول من الذل بكسر الذال ومعناه اللين وهو ضد الصعوبة نقول ذلت الدابة ذلا بالكسر أي سهلت وانقادت والذلول سهل الانقياد وجمعه الذلل بضم الذال واللام مثل رسول جمعه رسل ،وبذلك فإن البقرة ليستبالمذللة التي روضها العمل أو التي تثير الأرض أي تقلبها بالتحريك ،وهي كذلك لا تسقي الحرث أي لا تحمل عليها لسقي الزرع فإنها غير مذللة لمثل هذا العمل أيضا .
قوله: (مسلمة لاشية فيها) المسلمة التي تكون سليمة من العيوب كالصمم والعرج والعمى ،وغير ذلك من عيوب وقوادح ،وهي كذلك لاشية فيها .والشية العلامة أصلها وشيا وشية والجمع شيات والوشي هو نوع من الثياب الموشية أي المنقوشة ،وفعله وشى ،والمقصود أن البقرة ليس فيها لمعة أو علامة أو لون يخالف سائر لونها الأصفر .
قوله: (قالوا الآن جئت بالحق) أي الآن قد بينت لنا المطلوب وأفصحت لنا عن ماهية البقرة ،وهم مع هذه المساءلات المتكررة ومع هذا التقصي الطويل الممل فإنهم ما ذبحوها إلا بعد جهد وما كادوا يذبحونها .
يقول بعض أهل التأويل: إنهم كادوا ألا يذبحوا البقرة لغلاء ثمنها أو لخشيتهم من الافتضاح إذا ما تبين فيهم القاتل .وفي تقديرنا أن مثل هذا التعليل صحيح ،ولكن يضاف إليه طبيعة بني إسرائيل التي يخالطها الخور والجنوح للهزل المستديم وعدم الجد ثم الرغبة في السؤال المتكرر المنغص الذي لا يحتمل غير السماحة والإسفاف والثرثرة .{[77]}