{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}
( البقرة:79 )
التفسير:
قوله تعالى:{فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ...}؛ "ويل "كلمة وعيد ؛يتوعد الله تعالى من اتصفوا بهذه الصفة ؛وهي مبتدأ ؛وجاز الابتداء بها وهي نكرة ؛لأنها تفيد الوعيد .والوعيد معنًى خاص ،فزال به إجمال النكرة المطلقة ؛و{الكتاب} بمعنى المكتوب ؛والمراد به التوراة ؛
{بأيديهم}: كلمة مؤكدة لقوله تعالى:{يكتبون}؛أو مبينة للواقع ؛لأنه لا كتابة إلا باليد غالباً ؛والمعنى: أنهم يكتبونه بأيديهم ،فيتحققون أنه ليس الكتاب المنَزَّل ؛فهم يباشرون هذه الجناية العظيمة ؛ ثم يقولون} أي بعدما كتبوه بأيديهم ،وعرفوا أنه من صُنْع أيديهم ؛{هذا من عند الله} أي نزل من عند الله ؛{ليشتروا به} أي ليأخذوا به ؛واللام للتعليل ؛فإذا دخلت اللام على الفعل المضارع تكون للتعليل .كما هي هنا ؛وتكون للعاقبة ،مثل:{ليكون لهم عدوًّا وحزناً} [ القصص: 8]؛وتكون زائدة ،مثل:{يريدون ليطفئوا نور الله} [ الصف: 8] أي يريدون أن يطفئوا ؛لأن الفعل"يريد "يتعدى بنفسه بدون حرف الجرّ ؛{ثمناً قليلاً} أي عوضاً قليلاً ؛وهذا العوض القليل هو الرئاسة ،والجاه ،والمال ،وغير ذلك من أمور الدنيا ،كما قال تعالى:{قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى} [ النساء: 77]؛فمهما حصل في الدنيا من رئاسة ،وجاه ،ومال ،وولد ،فهو قليل بالنسبة للآخرة ؛كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل من حديث سهل بن سعد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم قال:"لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها "{[112]}: الدنيا من أولها إلى آخرها برئاساتها ،وأموالها ،وبنيها ،وقصورها ،وكل ما فيها ،وموضع السوط متر تقريباً ؛إذاً متاع الدنيا قليل ..
قوله تعالى:{فويل لهم مما كتبت أيديهم}: هذا وعيد على فعلهم ؛{وويل لهم مما يكسبون}: هذا وعيد على كسبهم ..
الفوائد:
. 1 من فوائد الآية: الوعيد على الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ،ثم يقولون هذا من عند الله وهم كاذبون ..
. 2 ومنها: أنهم يفعلون ذلك من أجل الرئاسة ،والمال ،والجاه ؛لقوله تعالى:{ليشتروا به ثمناً قليلاً}؛وقد ورد الوعيد على من طلب علماً يبتغى به وجه الله لينال عرضاً من الدنيا ..
. 3 ومنها: أن الدنيا كلها مهما بلغت فهي قليل ،كما قال تعالى:{قل متاع الدنيا قليل} ( النساء: 77 )
. 4 ومنها: أن الجزاء بحسب العمل ؛لقوله تعالى: ( فويل لهم مما كتبت أيديهم )
. 5ومنها: إثبات العلل ،والأسباب ؛لقوله تعالى:{مما كتبت أيديهم}؛فإن هذا بيان لعلة الوعيد ؛وهذه غير الفائدة السابقة ؛لأن الفائدة السابقة جزاؤهم بقدر ما كتبوا ؛وهذه بيان السبب ..
. 6ومنها: أن عقوبة القول على الله بغير علم تشمل الفعل ،وما ينتج عنه من كسب محرم ؛لقوله تعالى:
{فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}؛فما نتج عن المحرم من الكسب فإنه يأثم به الإنسان ؛مثلاً: إنسان عمل عملاً محرماً .كالغش .فإنه آثم بالغش ؛وهذا الكسب الذي حصل به هو أيضاً آثم به ..