وقوله:( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) الآية:هؤلاء صنف آخر من اليهود ، وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله ، وأكل أموال الناس بالباطل .
والويل:الهلاك والدمار ، وهي كلمة مشهورة في اللغة . وقال سفيان الثوري ، عن زياد بن فياض:سمعت أبا عياض يقول:ويل:صديد في أصل جهنم .
وقال عطاء بن يسار . الويل:واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:"ويل واد في جهنم ، يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ".
ورواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن الحسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، عن دراج ، به . وقال:هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة .
قلت:لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى ، ولكن الآفة ممن بعده ، وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوعا منكر ، والله أعلم .
وقال ابن جرير:حدثنا المثنى ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح العشيري حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) قال:"الويل جبل في النار . وهو الذي أنزل في اليهود ; لأنهم حرفوا التوراة ، زادوا فيها ما أحبوا ، ومحوا منها ما يكرهون ، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة . ولذلك غضب الله عليهم ، فرفع بعض التوراة ، فقال:( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) .
وهذا غريب أيضا جدا .
[ وعن ابن عباس:الويل:السعير من العذاب ، وقال الخليل بن أحمد:الويل:شدة الشر ، وقال سيبويه:ويل:لمن وقع في الهلكة ، وويح لمن أشرف عليها ، وقال الأصمعي:الويل:تفجع والويل ترحم ، وقال غيره:الويل الحزن . وقال الخليل:وفي معنى ويل:ويح وويش وويه وويك وويب ، ومنهم من فرق بينها ، وقال بعض النحاة:إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة ; لأن فيها معنى الدعاء ، ومنهم من جوز نصبها ، بمعنى:ألزمهم ويلا . قلت:لكن لم يقرأ بذلك أحد] .
وعن عكرمة ، عن ابن عباس:( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) قال:هم أحبار اليهود . وكذا قال سعيد ، عن قتادة:هم اليهود .
وقال سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن علقمة:سألت ابن عباس عن قوله تعالى:( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) قال:نزلت في المشركين وأهل الكتاب .
وقال السدي:كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم ، يبيعونه من العرب ، ويحدثونهم أنه من عند الله ، ليأخذوا به ثمنا قليلا .
وقال الزهري:أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أنه قال:يا معشر المسلمين ، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه ، أحدث أخبار الله تقرؤونه محضا لم يشب ؟ وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا:هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ; أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم . رواه البخاري من طرق عن الزهري .
وقال الحسن بن أبي الحسن البصري:الثمن القليل:الدنيا بحذافيرها .
وقوله تعالى:( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) أي:فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان ، والافتراء ، وويل لهم مما أكلوا به من السحت ، كما قال الضحاك عن ابن عباس:( فويل لهم ) يقول:فالعذاب عليهم ، من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب ، ( وويل لهم مما يكسبون ) يقول:مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم .