{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} ( البقرة:92 ) .
التفسير:
قوله تعالى:{ولقد جاءكم موسى}: الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر ،واللام الموطئة للقسم .وهي للتوكيد ؛و"قد "وهي هنا للتحقيق ؛لأنها دخلت على الماضي ؛و{جاءكم}: الخطاب لليهود ؛والدليل على أنه لليهود قوله تعالى:{موسى}؛لأن موسى نبيهم ؛وهنا خاطبهم باعتبار الجنس لا باعتبار الشخص ؛إذ إن موسى لم يأت هؤلاء الذين كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أتى بني إسرائيل الذين هؤلاء منهم ..
قوله تعالى:{بالبينات}: الباء للمصاحبة ،أو للتعدية ؛يعني: جاءكم مصحوباً بالبينات ؛أو أن البينات هي التي جيء بها ،فتكون للتعدية ؛و"البينات "صفة لموصوف محذوف ؛والتقدير: بالآية البينات .أي بالعلامات الدالة على رسالته ؛ومنها: اليد ،والعصا ،والحجر ،وفلق البحر ،والجراد الذي أرسل على آل فرعون ،والسنون ،وأشياء كثيرة ،مثل القمل ،والضفادع ،والدم ..
قوله تعالى:{ثم}: تفيد الترتيب بمهلة .يعني ثم بعد أن مضى عليكم وقت أمكنكم أن تتأملوا في هذه الآية ،وأن تعرفوها: الذي حصل أنكم لم ترفعوا بها رأساً:{اتخذتم العجل}:"اتخذ "من أفعال التصيير ،كقوله تعالى:{واتخذ الله إبراهيم خليلًا} [ النساء: 125] يعني صيَّره ؛إذاً هي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ ،والخبر ؛المفعول الأول:{العجل}؛والمفعول الثاني محذوف تقديره: إلهاً ؛وحذف للعلم به ،كما قال ابن مالك في الألفية: .
وحذف ما يعلم جائز و{العجل} هو ولد البقرة ،وليس عجلاً من حيوان ؛ولكنه عجل من حلي: صنعوا من الحلي مجسماً كالعجل ،وجعلوا فيه ثقباً تدخله الريح ،فيكون له صوت كخوار الثور ،فأغواهم السامري ،وقال لهم: هذا إلهكم وإله موسى فنسي ؛لأن موسى كان قد ذهب منهم لميقات ربه على أنه ثلاثون يوماً ،فزاد الله تعالى عشراً ،فصار أربعين يوماً ؛فقال لهم السامري: إن موسى ضلّ عن إلهه ؛ولهذا تخلف ،فلم يرجع ؛فهو قد ضلّ ،ولم يهتد إلى إلهه ؛فهذا إلهكم ،وإله موسى ،فاتَّخِذوه إلهاً ..
قوله تعالى:{من بعده} أي من بعد ذهاب موسى لميقات ربه ؛لأن موسى رجع إليهم ،وقال للسامري عن إلهه:{لنحرقنه ثم لننسفنَّه في اليم نسفاً} [ طه: 97]؛وجرى هذا: فحرقه موسىصلى الله عليه وسلم ،ونسفه في البحر ..
قوله تعالى:{وأنتم ظالمون} أي معتدون ؛وأصل الظلم النقص ،كما في قوله تعالى:{كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً} [ الكهف: 33]؛وسمي العدوان ظلماً ؛لأنه نقص في حق المعتدى عليهم ؛وجملة:{وأنتم ظالمون} حال في موضع النصب من فاعل{اتخذتم} أي والحال أنكم ظالمون ؛وهذا أبلغ في القبح: أن يعمل الإنسان العمل القبيح وهو يعلم أنه ظالم ..
الفوائد:
. 1 من فوائد الآية: إقامة البرهان على عناد اليهود ؛ووجه ذلك أنه قد جاءهم موسى بالبينات ،فاتخذوا العجل إلهاً ..
2 .ومنها: سفاهة اليهود ،وغباوتهم ،لاتخاذهم العجل إلهاً مع أنهم هم الذين صنعوه ..
. 3 ومنها: أن اليهود اغتنموا فرصة غياب موسى مما يدل على هيبتهم له ؛لقوله تعالى:{من بعده} يعني من بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه ..
. 4 ومنها: أن اليهود عبدوا العجل عن ظلم ،وليس عن جهل ؛لقوله تعالى: ( وأنتم ظالمون )