ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 92 )
تبين في الآيات السابقة أن بني إسرائيل كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد كانوا يستفتحون به على المشركين وأنهم قرروا في ذاتهم ألا يؤمنوا إلا بما أنزل عليهم ، فلا يؤمنون بالقرآن وإن جاء مصدقا لما معهم ، وذلك الكفر أكبر العناد ، وفي هذه الآيات الكريمات يبين الله تعالى أن العناد فيهم منذ أرسل موسى إليهم ، لقد أتى لهم ببينات حسية قاطعة في الدلالة على أن موسى أرسله الله تعالى لإنقاذهم .
ولقد أوتي عيسى بينات كثيرة وكفروا به وحاولوا قتله ، ولم يمكنهم الله تعالى منه ، فما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ، وموسى عليه السلام أتى لهم بمعجزات حسية بلغت تسعا ، فقد قال تعالى:{ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم . . . ( 101 )} [ الإسراء] ومنها العصا التي أبطلت سحر الساحرين ، والتي ضرب بها البحر ، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، والتي ضرب بها الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، قد علم كل أناس مشربهم ، ومنها ما ظهر بين أيديهم مما جرى لفرعون وقومه ، وقد قال الله تعالى في سورة الأعراف:{ وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ( 132 ) فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ( 133 ) ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ( 134 ) فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ( 135 )} [ الأعراف] ، ولما خرجوا إلى سيناء ظللتهم السحاب من هجيرها ، وأمدهم الله تعالى بالمن والسلوى .
جاءهم موسى عليه الصلاة والسلام بالبينات القاهرة الظاهرة المحسوسات ، ومع وضوحها وظهورها{ اتخذتم} أي اتخذوه معبودا وهو مصنوع بين أيديهم وتحت أبصارهم ، ولذا قال تعالى:{ ولقد جاءكم موسى بالبينات} وقد أشرنا إلى بعضها أو جلها ، ثم قال تعالى مخاطبا الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم في تفكيرهم وجحودهم وعنادهم امتداد للسابقين يحذون حذوهم ، وما يعملونه صورة مما عملوا والباعث واحد ،{ ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون} والعطف بثم للمفارقة الواجبة بين ما تقتضيه الآيات الحسية الظاهرة من إيمان واتخاذهم العجل معبودا ، وهو لا يضر ولا ينفع ، ولا عذر ولا مبرر إلا أن يكون التقليد لفرعون وآله وقومه الذين عبدوا العجل وكانوا يقتلون أبناءهم ويستحيون نساءهم لأهوائهم وشهواتهم .
وقد قال تعالى:{ وأنتم ظالمون} ولم يقل سبحانه وتعالى:وأنتم كافرون ؛ لأنه كفر يتضمن أشد الظلم وأفحشه ، فقد ظلموا أنفسهم بأن أعطوا قوة الحق ، فأبوا إلا أن يستضعفوا ويذلوا لمن أذلوهم ، وظلموا الحق وظلموا من أجرى الله تعالى على يده إنقاذهم فهو كفر يتضمن ظلما ، وكما قال تعالى في آية أخرى:{ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 57 )} [ البقرة] .
هذه حالهم مع موسى الذي دفعه الله تعالى لإنقاذهم مع ما جاءهم من البينات ، فكيف يمكن أن ينتزع الضلال من قلوبهم بالقرآن الكريم يا محمد ، فلا تأس على القوم الفاسقين .